منهم يوم بدر أكبر مما أصابوا منكم اليوم ، ومن الناس من جوز كون الجملة لا محل لها من الإعراب وجعلها معترضة بين النهي المذكور ، وقوله سبحانه : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) لأنه متعلق به معنى وإن كان الجواب محذوف أي ـ إن كنتم مؤمنين فلا تهنوا ولا تحزنوا ـ فإن الإيمان يوجب قوة القلب ومزيد الثقة بالله تعالى وعدم المبالاة بأعدائه ، ولا يخفى أن دعوى التعلق مما لا بأس بها لكن الحكم ـ بكون تلك الجملة معترضة ـ معترض بالبعد ، ويحتمل أن يكون هذا الشرط متعلقا ـ بالأعلون ـ والجواب محذوف أيضا أي إن كنتم مؤمنين ـ فأنتم الأعلون ـ فإن الإيمان بالله تعالى يقتضي العلو لا محالة ، ويحتمل أن يراد بالإيمان التصديق بوعد الله تعالى بالنصرة والظفر على أعداء الله تعالى ، ولا اختصاص لهذا الاحتمال بالاحتمال الأخير من احتمالي التعلق كما يوهمه صنيع بعضهم ، وعلى كل تقدير المقصود من الشرط هنا تحقيق المعلق به كما في قول الأجير : إن كنت عملت لك فأعطني أجري ، أو من قبيل قولك لولدك : إن كنت ابني فلا تعصني ، وحمل بعضهم الشرط على التعليل أي لا تهنوا ولا تحزنوا لأجل كونكم مؤمنين ، أو (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) لأجل ذلك ، والقول بأن المراد إن بقيتم على الإيمان ليس له كمال ملاءمة للمقام (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) قرأ حمزة والكسائي ، وابن عياش عن عاصم بضم القاف ، والباقون بالفتح ، وهما لغتان ـ كالدف والدف ، والضعف والضعف ـ وقال الفراء : القرح بالفتح الجراحة ، وبالضم ألمها ، ويقرأ بضم القاف والراء على الاتباع ـ كاليسر واليسر ، والطنب والطنب ـ وقرأ أبو السمال بفتحهما وهو مصدر قرح يقرح إذا صار له قرحة والمعنى إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم قبله يوم بدر ، ثم لم يضعف ذلك قلوبهم ولم يثبطهم عن معاودتكم بالقتال وأنتم أحق بأن لا تضعفوا فإنكم ترجون من الله تعالى ما لا يرجون ، والمضارع على ما ذهب إليه العلامة التفتازاني لحكاية الحال لأن المساس مضى ، وأما استعمال ـ إن ـ فبتقدير كان أي إن كان مسكم قرح ، و (إِنْ) لا تتصرف في ـ كان ـ لقوة دلالته على المضي ، أو على ما قيل : إن (إِنْ) قد تجيء لمجرد التعليق من غير نقل فعله من الماضي إلى المستقبل ، وما وقع في موضع جواب الشرط ليس بجواب حقيقة لتحققه قبل هذا الشرط ، بل دليل الجواب ، والمراد إن كان مسكم قرح فذلك لا يصحح عذركم وتقاعدكم عن الجهاد بعد لأنه قد مس أعداءكم مثله وهم على ما هم عليه ، أو يقال : إن مسكم قرح فتسلوا فقد مس القوم قرح مثله ، والمثلية باعتبار كثرة القتلى في الجملة فلا يرد أن المسلمين قتلوا من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين ، وقتل المشركون من المسلمين يوم أحد خمسة وسبعين وجرحوا سبعين ، والتزم بعضهم تفسير القرح بمجرد الانهزام دون تكثير القتلى فرارا من هذا الإيراد ، وأبعد بعض في توجيه الآية وحملها على ما لا ينبغي أن يحمل عليه كلام الله تعالى ، فقال : الأوجه أن يقال : إن المراد (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) فلا تهنوا لأنه (مَسَّ الْقَوْمَ) أي الرجال (قَرْحٌ مِثْلُهُ) والقرح للرجال لا للنساء فمن هو من زمرة الرجال ينبغي أن لا يعرض عما هو سمته بل ينبغي أن يسعى له ، وبهذا يظهر بقاء وجه التعبير بالمضارع وأنه على ظاهره ، وكذا يندفع ما قيل : إن قرح القوم لم يكن مثل قرحهم ولا يحتاج إلى ما تقدم من الجواب.
وقيل : إن كلا المسّين كان في أحد فإن المسلمين نالوا منهم قبل أن يخالفوا أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإنهم قتلوا منهم نيفا وعشرين رجلا أحدهم صاحب لوائهم ، وجرحوا عددا كثيرا وعقروا عامة خيلهم بالنبل ، وقيل : إن ذلك القرح الذي مسهم أنهم رجعوا خائبين مع كثرتهم وغلبتهم بحفظ الله تعالى للمؤمنين.
(وَتِلْكَ الْأَيَّامُ) اسم الإشارة مشار به إلى ما بعده كما في الضمائر المبهمة التي يفسرها ما بعدها نحو ـ ربه رجلا ـ ومثله يفيد التفخيم والتعظيم ، و (الْأَيَّامُ) بمعنى الأوقات لا الأيام العرفية ، وتعريفها للعهد إشارة إلى أوقات الظفر والغلبة الجارية فيما بين الأمم الماضية والآتية ، ويوما بدر وأحد داخلان فيها دخولا أوليا.