بنعاس غشاهم ، وإنما ينعس من يأمن والخائف لا ينام.
وأخرج خلق كثير عن أنس أن أبا طلحة قال غشينا النعاس يوم أحد ونحن في مصافنا وكنت ممن غشيه النعاس يومئذ فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ويسقط وآخذه ، وفي رواية أخرى عنه أنه قال : رفعت رأسي يوم أحد فجعلت انظر وما منهم من أحد إلا وهو يميد تحت حجفته ـ أي ترسه ـ من النعاس ، وعن الزبير بن العوام مثله قيل : وهذه عادة الله تعالى مع المؤمنين جعل النعاس في الحرب علامة للظفر وقد وقع كذلك لعلي كرم الله تعالى وجهه في صفين وهو من الواردات الرحمانية والسكينة الإلهية (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ) قال ابن عباس : هم المهاجرون وعامة الأنصار ، وفيه إشعار بأنه لم يغش الكل ولا يقدح ذلك في عموم الإنزال للكل ، والجملة في موضع نصب على أنها صفة ـ لنعاسا ـ وقرأ حمزة والكسائي ـ تغشى ـ بالتاء الفوقانية على أن الضمير ـ للأمنة.
والظاهر أن الجملة حينئذ مستأنفة وقعت جوابا لسؤال تقديره ما حكم هذه الأمنة؟ فأجيب بأنها تغشى طائفة ، وقيل : إنها في موضع الصفة لأمنة ، واعترض بأن الصفة حقها أن تتقدم على البدل وعطف البيان وأن لا يفصل بينها وبين الموصوف بالمفعول له وأن المعهود أن يحدث عن البدل دون المبدل منه (وَطائِفَةٌ) وهم المنافقون. (قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) أي جعلتهم ذوي هم وأوقعتهم فيه أو ما يهمهم إلا أنفسهم لا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولا غيره من أهمه بمعنى جعله مهما له ومقصودا والحصر مستفاد من المقام ، وذكر بعضهم أن العرب تطلق هذا اللفظ على الخائف الذي شغله هم نفسه عن غيره ، (طائِفَةً) مبتدأ وجملة (قَدْ أَهَمَّتْهُمْ) إلخ خبره ، وجاز ذلك مع كونها نكرة لوقوعها بعد واو الحال كما في قوله :
سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا |
|
محياك أخفى ضوء كل شارق |
أو لوقوعها موقع التفصيل كما في قوله :
إذا مت كان الناس صنفان شامت |
|
وآخر مثن بالذي أنا صانع |
وجوز أن تكون الجملة نعتا لها والخبر حينئذ محذف أي ومعكم ، أو وهناك طائفة وتقدير ـ ومنكم طائفة ـ يقتضي أن يكون المنافقون داخلين في الخطاب بإنزال الأمنة وأيّا ما كان فالجملة إما حالية مبينة لفظاعة الهول مؤكدة لعظم النعمة في الخلاص عنه ، وإما مستأنفة مسوقة لبيان حال المنافقين فالواو إما حالية وإما استئنافية وكونها بمعنى إذ ليس بشيء كما نص عليه أبو البقاء (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِ) في موضع الحال من ضمير (أَهَمَّتْهُمْ) لا من (طائِفَةً) وإن تخصصت لما في مجيء الحال من المبتدأ من المقال ، وجوز أن تكون صفة بعد صفة لطائفة ، أو خبرا بعد خبر ، أو هي الخبر و (قَدْ أَهَمَّتْهُمْ) صفة أو مستأنفة مبينة لما قبلها وغير منصوب على المصدرية المؤكدة لأنه مضاف إلى مصدر محذوف وهو بحسب ما يضاف إليه أي غير الظن الحق وهو الذي يحق أن يظن به تعالى ، وقال بعضهم : إنه مفعول مطلق نوعي ، وقوله تعالى (ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) بدل مما قبله.
وقال ابن الحاجب : (غَيْرَ الْحَقِ) و (ظَنَ) مصدران أحدهما للتشبيه والآخر تأكيد لغيره أي يقولون غير الحق ومفعولا (يَظُنُّونَ) محذوفان أي يظنون أن إخلاف وعده سبحانه حاصل ، وأبو البقاء يجعل (غَيْرَ الْحَقِ) مفعولا أولا أي أمرا غير الحق ، و (بِاللهِ) في موضع المفعول الثاني وإضافة (ظَنَ) إلى الجاهلية قيل : إما من إضافة الموصوف إلى مصدر صفته ومعناها الاختصاص بالجاهلية كرجل صدق وحاتم الجود فهي على معنى اللام أي المختص بالصدق والجود فالياء مصدرية والتاء للتأنيث اللازم له ، وإما من إضافة المصدر إلى الفاعل على حذف المضاف أي ظن أهل الجاهلية أي الشرك والجهل بالله تعالى وهي اختصاصية حقيقية أيضا.