عذاب الآخرة كما نجوا به من المؤاخذة الدنيوية وعليه كان مبنى فرحهم ، وأما نهيه صلىاللهعليهوسلم فللتعريض بحسبانهم المذكور لا لاحتمال وقوع الحسبان من جهته صلىاللهعليهوسلم.
وأنت تعلم أن تعليل التصدير بما ذكر على تقدير إجراء الموصول على عمومه على ما مر غير ظاهر إلا أن يقال بالتغليب (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) بيان لثبوت فرد من العذاب لا غاية له في المدة والشدة إثر ما أشير إليه من عدم نجاتهم من مطلق العذاب ويلوح بذلك الجملة الاسمية والتنكير التفخيمي والوصف.
وجوز أن يكون هذا إشارة إلى العذاب الأخروي ويحمل نفي النجاة من العذاب فيما تقدم على نفي العذاب العاجل وهو كونهم مذمومين مردودين فيما بين الناس لأن لباس الزور لا يبقى وينكشف حال صاحبه ويفتضح.
(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) تقرير لما قبله حيث أفاد أن لله وحده السلطان القاهر في جميع العالم يتصرف فيه كيفما يشاء ويختار إيجادا وإعداما إحياء وإماتة ومن هو كذلك فهو مالك أمرهم لا راد له عما أراد بهم (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تقرير إثر تقرير والإظهار في مقام الإضمار لتربية المهابة مع الإشعار بمناط الحكم فإن شمول القدرة لجميع الأشياء من أحكام الألوهية والرمز إلى استقلال كل من الجملتين بالتقرير ، وقيل : مجموع الجملتين مسوق لرد قول اليهود السابق (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) وضعف بالبعد ـ ولو قيل ـ وفيه ردّ لهان الأمر.
هذا (ومن باب الإشارة في الآيات) (وَلا يَحْزُنْكَ) لتوقع الضرر ، أو لشدة الغيرة (الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) لحجابهم الأصلي وظلمتهم الذاتية (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) فإن ساحة الكبرياء مقدسة عن هجوم ظلال الضلال ، أو المراد لن يضروك أيها المظهر الأعظم إلا أنه تعالى أقام نفسه تعالى مقام نفسه صلى الله تعالى عليه وسلم ، وفي الآية إشارة إلى الفرق والجمع (يُرِيدُ اللهُ) إظهارا لصفة قهره (أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) لعظم حجابهم ونظرهم إلى الأغيار (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ) وأخذوه بالإيمان بدله لقبح استعدادهم وسوء اختيارهم الغير المجعول (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) «لكن يضرون أنفسهم لحرمانها تجلي الجمال (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) لكونهم غدوا بذلك مظهر الجلال (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) ونزيد في مددهم (خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) ينتفعون به في القرب إلينا (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) بسبب ذلك لازديادهم حجابا على حجاب وبعدا على بعد (وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) لفرط بعدهم عن منبع العز (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) من ظاهر الإسلام وتصديق اللسان (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ) من صفات النفس وحظوظ الشيطان ودواعي الهوى (مِنَ الطَّيِّبِ) وهو صفات القلب كالاخلاص واليقين والمكاشفة ومشاهدة الروح ومناغاة السر ومسامراته وذلك بوقوع الفتن والمصائب بينكم (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) أي غيب وجودكم من الحقائق الكامنة فيكم بلا واسطة الرسول للبعد وعدم المناسبة وانتفاء استعداد التلقي منه سبحانه (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) فيطلعه على ذلك ويهديكم إلى ما غاب عنكم من كنوز وجودكم وأسراره للجنسية التي بينكم وبينه (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) بالتصديق والتمسك بالشريعة ليمكنكم التلقي منهم (وَإِنْ تُؤْمِنُوا) بعد ذلك الإيمان الحقيقي الحاصل بالسلوك والمتابعة في الطريقة (وَتَتَّقُوا) الحجب والموانع (فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) من كشف الحقيقة ، وقد يقال : إن لله تعالى غيوبا غيب الظاهر وغيب الباطن وغيب الغيب وسر الغيب وغيب السر ، فغيب الظاهر هو ما أخبر به سبحانه عن أمر الآخرة ، وغيب الباطن هو غيب المقدورات المكنونة عن قلوب الأغيار ، وغيب الغيب هو سر الصفات في الأفعال ، وسر الغيب هو نور الذات في الصفة ، وغيب السر هو غيب القدم وسر الحقيقة والاطلاع بالواسطة على ما عدا الأخير واقع للسالكين على حسب مراتبهم ، وأما الاطلاع على الأخير فغير واقع لأحد أصلا فإن الأزلية منزهة عن