إِلَى اللهِ) [الأحزاب : ٤٦] وهي إليه عليه الصلاة والسلام حقيقة ، وإلى القرآن على حد قوله :
تناديك أجداث وهن صموت |
|
وسكانها تحت التراب سكوت |
والتنوين في المنادى للتفخيم وإيثاره على الداعي للإشارة إلى كمال اعتنائه بشأن الدعوة وتبليغها إلى القريب والبعيد لما فيه من الإيذان برفع الصوت ، وقد كان شأنه الرفيع صلىاللهعليهوسلم في الخطب ذلك الرفع حقيقة ، ففي الخبر كان صلى الله تعالى عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول : صبحكم ومساكم. ولما كان النداء مخصوصا بما يؤدي له ومنتهيا إليه تعدي باللام وإلى تارة ، وتارة فاللام في للإيمان على ظاهرها ولا حاجة إلى جعلها بمعنى إلى أو الباء ، ولا إلى جعلها بمعنى العلة ـ كما ذهب إليه البعض ـ وجملة (يُنادِي) في موضع المفعول الثاني ـ لسمع ـ على ما ذهب إليه الأخفش وكثير من النحاة من تعدي ـ سمع ـ هذه إلى مفعولين ولا حذف في الكلام ، وذهب الجمهور إلى أنها لا تتعدى إلا إلى واحد ، واختاره ابن الحاجب قال في أماليه : وقد يتوهم أن السماع متعد إلى مفعولين من جهة المعنى والاستعمال ، أما المعنى فلتوقفه على مسموع ، وأما الاستعمال فلقولهم : سمعت زيدا يقول ذلك وسمعته قائلا ، قوله تعالى : (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ) [الشعراء : ٧٢] ولا وجه له لأنه يكفي في تعلقه المسموع دون المسموع منه ، وإنما المسموع منه كالمشموم منه فكما أن الشم لا يتعدى إلا إلى واحد فكذلك السماع فهو مما حذف فيه المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه للعلم به ويذكر بعده حال تبينه ويقدر في «يسمعونكم إذ تدعون» يسمعون أصواتكم انتهى ، والزمخشري جعل المسموع صفة بعد النكرة وحالا بعد المعرفة وهو الظاهر ، وادعى بعض المحققين أن الأوفق فيما جعله حالا أو وصفا أن يجعل بدلا بتأويل الفعل بالمصدر على ما يراه بعض النحاة لكنه قليل في الاستعمال فلذا أوثرت الوصفية أو الحالية.
وزعم بعضهم أن السماع إذا وقع على غير الصوت فلا بدّ أن يذكر بعده فعل مضارع يدل على الصوت ولا يجوز غيره ـ وهو غير صحيح ـ لوقوع الظرف واسم الفاعل كما سمعته ، وفي تعليق السماع بالذات مبالغة في تحقيقه ، والإيذان بوقوعه بلا واسطة عند صدور المسموع عن المتكلم ، وفي إطلاق المنادي أولا حيث قال سبحانه : (مُنادِياً) ولم يذكر ما دعى له ، ثم قوله عزّ شأنه بعد : (يُنادِي لِلْإِيمانِ) ما لا يخفى من التعظيم لشأن المنادي والمنادى له ، ولو قيل من أول الأمر (مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ) لم يكن بهذه المثابة ، وحذف المفعول الصريح ـ لينادي ـ إيذانا بالعموم أي ينادي كل واحد (أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ) أي أن آمنوا به على أن (أَنْ) تفسيرية ، أو بأن آمنوا ـ على أنها مصدرية ، وعلى الأول فآمنوا تفسير لينادي لأن نداءه عين قوله : (آمِنُوا) والتقدير (يُنادِي لِلْإِيمانِ) أي يقول : (آمِنُوا) وليس تفسيرا للإيمان كما توهم ، وعلى الثاني يكون ـ بأن آمنوا ـ متعلقا ب (يُنادِي) لأنه المنادى به وليس بدلا من الإيمان ـ كما زعمه البعض ـ ومن المحققين من اقتصر على احتمال المصدرية لما أن كثيرا من النحاة يأبى التفسيرية لما فيها من التكلف ، ومن اختارها قال : إن المصدرية تستدعي التأويل بالمصدر وهو مفوّت لمعنى الطلب المقصود من الكلام. وأجيب بأنه يقدر الطلب في التأويل إذا كانت داخلة على الأمر وكذا يقدر ما يناسب الماضي والمستقبل إذا كانت داخلة عليهما ، ولا ينبغي أن يجعل الحاصل من الكل بمجرد معنى المصدر لئلا يفوت المقصود من الأمر وأخويه ، وفي التعرض لعنوان الربوبية إشارة إلى بعض الأدلة عليه سبحانه وتعالى ورمز إلى نعمته جل وعلا على المخاطبين ليذكروها فيسارعوا إلى امتثال الأمر ، وفي إطلاق الإيمان ثم تقييده تفخيم لشأنه (فَآمَنَّا) عطف على (سَمِعْنا) والعطف بالفاء مؤذن بتعجيل القبول وتسبب الإيمان عن السماع من غير مهلة ، والمعنى فآمنا بربنا لما دعينا إلى ذلك ، قال أبو منصور : فيه دليل على بطلان الاستثناء في الإيمان ولا يخفى بعده (رَبَّنا) تكرير ـ كما قيل ـ