عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) الصغائر والكبائر من بقايا صفاتهم وذواتهم (وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ) ثلاث وهي جنة الأفعال ، وجنة الصفات ، وجنة الذات (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أنهار العلوم والتجليات (ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ) الجامع لجميع الصفات (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) فلا يكون بيد غيره ثواب أصلا (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي حجبوا عن التوحيد (فِي الْبِلادِ) في المقامات الدنيوية والأحوال (مَتاعٌ قَلِيلٌ) لسرعة زواله وعدم نفعه (ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) الحرمان (وَبِئْسَ الْمِهادُ) الذي اختاروه بحسب استعدادهم (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) بأن تجردوا كمال التجرد (لَهُمْ جَنَّاتٌ) ثلاث عوض ذلك (نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ) معدا لهم «وما عند الله» من نعم المشاهدة ولطائف القربة وحلاوة الوصلة (خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ) ويحقق التوحيد الذاتي (وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) من علم التوحيد والاستقامة (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ) من علم المبدأ والمعاد ونيل الدرجات (خاشِعِينَ لِلَّهِ) للتجلي الذاتي وما تجلى الله تعالى لشيء إلا خضع له (لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ) تعالى وهي تجليات صفاته (ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) وهي تلك الجنات (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) فيوصل إليهم أجرهم بلا إبطاء (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا) عن المعاصي (وَصابِرُوا) على الطاعات (وَرابِطُوا) الأرواح بالمشاهدة (وَاتَّقُوا اللهَ) من مشاهدة الأغيار (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) بالتجرد عن همومكم وخطراتكم ، أو «اصبروا» في مقام النفس بالمجاهدة (وَصابِرُوا) في مقام القلب مع التجليات (وَرابِطُوا) في مقام الروح ذواتكم حتى لا تعتريكم فترة أو غفلة واتقوا الله عن المخالفة والإعراض والجفاء (لَعَلَّكُمْ) تفوزون بالفلاح الحقيقي ، نسأل الله تعالى أن يجعل لنا الحظ الأوفى من امتثال هذه الأوامر وما يترتب عليها بمنه وكرمه.
وهذه الآيات العشر كان يقرؤها صلى الله تعالى عليه وسلم كل ليلة ـ كما أخرج ذلك ابن السني وأبو نعيم وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
وأخرج الدارمي عن عثمان قال : من قرأ آخر آل عمران في ليلة كتب الله تعالى له قيام ليلة ، وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله تعالى عليه وملائكته حتى تجب الشمس ، وخبر ـ من قرأ سورة آل عمران أعطي بكل آية أمانا على جسر جهنم ـ موضوع مختلق على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقد عابوا على من أورده من المفسرين ، نسأل الله تعالى أن يعصمنا عن الزلل ويحفظنا من الخطأ والخطل إنه جواد كريم رءوف رحيم ، وليكن هذا خاتمة ما أمليته من تفسير الفاتحة والزهراوين ، وأنا أرغب إلى الله تعالى بالإخلاص أن يوصلني إلى تفسير المعوذتين ، وهو الجلد الأول من روح المعاني (١) ، ويتلوه إن شاء الله تعالى الجلد الثاني وكان الفراغ منه في غرة محرم الحرام سنة ١٢٥٤ ألف ومائتين وأربعة وخمسين ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين آمين.
__________________
(١) هو من الطبعة الأولى.