فهو على حدّ يا سارق الليلة أهل الدار ومضارتها الإخلال بحقوقهم ونقصها مما ذكر من الوصية بما زاد على الثلث ، أو به مثلا لقصد الإضرار ودون القربة والإقرار بالدين كاذبا.
والمراد من الأهل الورثة المذكورة هاهنا ووقع في بعض العبارات أن المراد وصية الله تعالى بالأولاد ، ولعل المراد بهم الورثة مطلقا بطريق التعبير عن الكلي بأشهر أفراده كما عبر عن مطلق الانتفاع بالمال بأكله وإلا فهو غير ملائم وإنما نصب مضار المفعول به لأنه اسم فاعل معتمد على ذي الحال ، أو منفي معنى فيعمل في المفعول الصريح ، ويشهد لهذا الاحتمال قراءة الحسن (غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً) بالإضافة ، وذكر أبو البقاء في هذه القراءة وجهين : الأول أن التقدير (غَيْرَ مُضَارٍّ) أهل (وَصِيَّةٍ) فحذف المضاف ، والثاني أن التقدير (غَيْرَ مُضَارٍّ) وقت (وَصِيَّةٍ) فحذف وهو من إضافة الصفة إلى الزمان ، والجمهور لا يثبتون الإضافة بمعنى في ، ووقع في الدر المصون احتمال أنه منصوب على الخروج ولم يبين المراد من ذلك ، ووقع في همع الهوامع في المفعول به : إن الكوفيين يجعلونه منصوبا على الخروج ولم يبينه أيضا ، قال الشهاب : فكأن مرادهم أنه خارج عن طرفي الإسناد ، فهو كقولهم : فضلة فلينظر (وَاللهُ عَلِيمٌ) بالمضار وغيره ، وقيل : بما دبره بخلقه من الفرائض (حَلِيمٌ) لا يعاجل بالعقوبة فلا يغترن المضار بالإمهال أو لا يغترن من خالفه فيما بينه من الفرائض بذلك ، والإضمار في مقام الإظهار لإدخال الروعة وتربية المهابة ، ثم اعلم أن الله سبحانه أورد أقسام الورثة في هذه الآيات على أحسن الترتيبات ، وذلك أن الوارث إما أن يتصل بالميت بنفسه من غير واسطة ، أو يتصل به بواسطة فإن اتصل بغير واسطة فسبب الاتصال إما أن يكون النسب أو الزوجية ، فحصل هنا ثلاثة أقسام أشرفها وأعلاها الاتصال الحاصل ابتداء من جهة النسب ، وذلك هو قرابة الولادة ، ويدخل فيها الأولاد. والوالدان ، وثانيها الاتصال الحاصل ابتداء من جهة الزوجية وهذا القسم متأخر في الشرف عن القسم الأول لأن الأول ذاتي والثاني عرضي ؛ والذاتي أشرف من العرضي ، وثالثها الاتصال الحاصل بواسطة الغير ، وهو المسمى بالكلالة ، وهذا القسم متأخر عن القسمين الأولين لوجوه : أحدها أن الأولاد والوالدين والأزواج والزوجات لا يعرض لهم السقوط بالكلية ، وأما الكلالة فقد يعرض لها السقوط بالكلية ، وثانيها أن القسمين الأولين ينتسب كل واحد منهما إلى الميت بغير واسطة ، والكلالة ينتسب إلى الميت بواسطة ، والثابت ابتداء أشرف من الثابت بواسطة ، وثالثها أن مخالطة الإنسان بالوالدين والأولاد والأزواج والزوجات أكثر وأتم من مخالطته بالكلالة وكثرة المخالطة مظنة الألفة والشفقة وذلك يوجب شدة الاهتمام بأحوالهم ، فلهذه الأسباب وأشباهها أخر الله سبحانه ذكر ميراث الكلالة عن ذكر القسمين الأولين فما أحسن هذا الترتيب وما أشدّ انطباقه على قوانين المعقولات ـ كما قاله الإمام (تِلْكَ) أي الأحكام المذكورة في شئون اليتامى والمواريث وغيرها ، واقتصر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما على المواريث (حُدُودُ اللهِ) أي شرائعه أو طاعته أو تفصيلاته أو شروطه ، وأطلقت عليها الحدود لشبهها بها من حيث إن المكلف لا يجوز له أن يتجاوزها إلى غيرها.
(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) فيما أمر به من الأحكام أو فيما فرض من الفرائض ، والإظهار في مقام الإضمار لما مرت الإشارة إليه (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ) نصب على الظرفية عند الجمهور ، وعلى المفعولية عند الأخفش.
(تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) أي من تحت أشجارها وأبنيتها ، وقد مرّ الكلام في ذلك (الْأَنْهارُ) أي ماؤها (خالِدِينَ فِيها) حال مقدرة من مفعول (يُدْخِلْهُ) لأن الخلود بعد الدخول فهو نظير قولك : مررت برجل معه صقر يصيد به غدا ، وصيغة الجمع لمراعاة معنى (مَنْ) كما أن إفراد الضمير لمراعاة لفظها (وَذلِكَ) أي دخول الجنات على الوجه المذكور (الْفَوْزُ) أي الفلاح والظفر بالخير (الْعَظِيمُ) في نفسه أو بالإضافة إلى حيازة التركة على ما قيل ؛