إذا كان حالكم أن لا تنفقوا إلا لأجل طلب وجه الله تعالى ، أو الا طالبين وجهه سبحانه لا مؤذين ولا مانين ولا مراءين ولا متيممين الخبيث ، أو على معنى ليست نفقتكم إلا لكذا أو حال كذا فما بالكم تمنون بها وتنفقون الخبيث أو تمنعونها فقراء المشركين من أهل الكتاب وغيرهم ، وقيل : إنه نفي بمعنى النهي أي لا تنفقوا إلا كذا وإقحام الوجه للتعظيم ودفع الشركة لأنك إذا قلت فعلته لوجه زيد كان أجلّ من قولك : فعلته له لأن وجه الشيء أشرف ما فيه ثم كثر حتى عبر به عن الشرف مطلقا ، وأيضا قول القائل : فعلت هذا الفعل لفلان يحتمل الشركة وأنه قد فعله له ولغيره ومتى قال : فعلته لوجهه انقطع عرق الشركة عرفا ، وجعله كثير من الخلق بمعنى الذات وبعضهم حمله هنا على الرضا وجعل الآية على حد إلا (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) [البقرة : ٢٠٧ ، ٢٦٥ ، النساء : ١١٤] تعالى والسلف بعد أن نزهوا فوضوا كعادتهم في المتشابه (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) أي تعطون جزاءه وافرا وافيا كما تشعر به صيغة التفعيل في الآخرة حسبما تضمنته الآيات من قبل ـ وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ـ والمراد نفي أن يكون لهم عذر في مخالفة الأمر المشار إليه في الإنفاق ، فالجملة تأكيد للشرطية السابقة وليس بتأكيد صرف وإلا لفصلت ولكنها تضمنت ذلك من كون سياقها للاستدلال على قبح ترك ذلك الأمر فكأنه قيل : كيف يمنّ أو يقصر فيما يرجع إليه نفعه أو كيف يفعل ذلك فيما لو عوض وزيادة ، وهي بهذا الاعتبار أمر مستقل ، وقيل : إن المعنى يوفر عليكم خلفه في الدنيا ولا ينقص به من مالكم شيء استجابة لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم : «اللهم اجعل لمنفق خلفا ولممسك تلفا» والتوفية إكمال الشيء وإنما حسن معها إليكم لتضمنها معنى التأدية وإسنادها إلى (ما) مجازي وحقيقته ما سمعت ، والآية بناء على سبب النزول دليل على جواز دفع الصدقة للكافر وهو في غير الواجبة أمر مقرر ، وأما الواجبة التي للإمام أخذها كالزكاة فلا يجوز ، وأما غيرها كصدقة الفطر والنذر والكفارة ففيه اختلاف ، والإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يجوزه ، وظاهر قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) [الإنسان : ٨] يؤيده إذ الأسير في دار الإسلام لا يكون إلا مشركا.
(وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) أي لا تنقصون شيئا مما وعدتم ، والجملة حال من ضمير (إِلَيْكُمْ) والعامل يوف (لِلْفُقَراءِ) متعلق بمحذوف ينساق إليه الكلام ولهذا حذف أي اعمدوا للفقراء أو اجعلوا ما تنفقونه للفقراء أو صدقاتكم للفقراء ، والجملة استئناف مبني على السؤال ، وجوز أن يكون الجار متعلقا بقوله تعالى : (وَما تُنْفِقُوا) ، وقوله سبحانه : (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) اعتراض أي وما تنفقوا للفقراء (الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي حبسهم الجهاد أو العمل في مرضاة الله تعالى يوف إليكم ولا يخفى بعده (لا يَسْتَطِيعُونَ) لاشتغالهم بذلك (ضَرْباً فِي الْأَرْضِ) أي مشيا فيها وذهابا للتكسب والتجارة وهم أهل الصفة رضي الله تعالى عنهم ، قاله ابن عباس. ومحمد بن كعب القرظي ـ وكانوا نحوا من ثلاثمائة ويزيدون وينقصون من فقراء المهاجرين يسكنون سقيفة المسجد يستغرقون أوقاتهم بالتعلم والجهاد وكانوا يخرجون في كل سرية يبعثها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعن سعيد بن جبير هم قوم أصابتهم الجراحات في سبيل الله تعالى فصاروا زمنى فجعل لهم في أموال المسلمين حقا ؛ ولعل المقصود في الروايتين بيان بعض أفراد هذا المفهوم ودخوله فيه إذ ذاك دخولا أوليا لا الحصر إذ هذا الحكم باق إلى يوم الدين (يَحْسَبُهُمُ) أي يظنهم (الْجاهِلُ) الذي لا خبرة له بحالهم.
(أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) أي من أجل تعففهم على المسألة ـ فمن ـ للتعليل وأتى بها لفقد شرط من شروط النصب وهو اتحاد الفاعل ، وقيل : لابتداء الغاية والمعنى إن حسبان الجاهل غناهم نشأ من تعففهم ، والتعفف ترك الشيء وهو اتحاد الفاعل ، وقيل : لابتداء الغاية والمعنى إن حسبان الجاهل غناهم نشأ من تعففهم ، والتعفف ترك الشيء