مُؤْمِنِينَ) عن صميم القلب فإن دليله امتثال ما أمرتم به وهو شرط حذف جوابه ثقة بما قبله ، و (مِنَ) تبعيضية متعلقة بمحذوف وقع حالا من فاعل بقي ، وقيل : متعلقة ـ يبقي ؛ وقرأ الحسن ؛ بقي ؛ بقلب الياء ألفا على لغة طيئ ، والآية كما قال السدي : نزلت في العباس رضي الله تعالى عنه ابن عبد المطلب ، ورجل من بني المغيرة كانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا إلى ناس من ثقيف من بني عمرة وهم بنو عمرو بن عمير فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة من الربا فتركوها حين نزلت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال : نزلت هذه الآية في بني عمرو بن عمير بن عوف الثقفي ، ومسعود بن عمرو بن عبد ياليل بن عمرو ، وربيعة بن عمرو ، وحبيب بن عمير وكلهم إخوة وهم الطالبون ، والمطلوبون بنو المغيرة من بني مخزوم وكانوا يداينون بني المغيرة في الجاهلية بالربا وكان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم صالح ثقيفا فطلبوا رباهم إلى بني المغيرة وكان مالا عظيما فقال بنو المغيرة : والله لا نعطي الربا في الإسلام وقد وضعه الله تعالى ورسوله عن المسلمين فعرفوا شأنهم معاذ بن جبل ـ ويقال ـ عتاب بن أسيد فكتب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن بني عمرو بن عمير يطلبون رباهم عند بني المغيرة فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلخ ، فكتب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى معاذ بن جبل أن أعرض عليهم هذه الآية فإن فعلوا فلهم رءوس أموالهم وإن أبوا فآذنهم بحرب من الله تعالى ورسوله وذلك قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) أي ما أمرتم به من الاتقاء وترك البقايا إما مع إنكار حرمته وإما مع الاعتراف (فَأْذَنُوا) أي فأيقنوا ـ وبذلك قرأ الحسن ـ وهو التفسير المأثور عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) وهو كحرب المرتدين على الأول وكحرب البغاة على الثاني ، وقيل : لا حرب حقيقة وإنما هو تهديد وتخويف ـ وجمهور المفسرين على الأول ـ وقرأ حمزة. وعاصم في رواية ابن عياش فآذنوا بالمد أي فأعلموا بها أنفسكم أو بعضكم بعضا أو غيركم ، وهذا مستلزم لعلمهم بالحرب على أتم وجه وتنكير ـ حرب ـ للتعظيم ، ولذا لم يقل بحرب الله تعالى بالإضافة ، أخرج أبو يعلى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها لما نزلت قالت ثقيف : لا يدي لنا بحرب الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم. (وَإِنْ تُبْتُمْ) عما يوجب الحرب (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) تأخذونها لا غير (لا تَظْلِمُونَ) غرماءكم بأخذ الزيادة (وَلا تُظْلَمُونَ) أنتم من قبلهم بالنقص من رأس المال أو به وبنحو المطل ، وقرأ المفضل عن عاصم ـ لا تظلمون ـ الأول بالبناء للمفعول والثاني بالبناء للفاعل على عكس القراءة الأولى ، والجملة إما مستأنفة ـ وهو الظاهر ـ وإما في محل نصب على الحال من الضمير في لكم والعامل ما تضمنه الجار من الاستقرار لوقوعه خبرا ـ وهو رأي الأخفش ـ ومن ضرورة تعليق هذا الحكم بتوبتهم عدم ثبوته عند عدمها لأن عدمها إن كان مع إنكار الحرمة فهم المرتدون ومالهم المكسوب في حال الردة فيء للمسلمين عند الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ، وكذا سائر أموالهم عند الشافعي رضي الله تعالى عنه ، وعندنا هو لورثتهم ولا شيء لهم على كل حال وإن كان مع الاعتراف فإن كان لهم شوكة فهم على شرف القتل لم يكد تسلم لهم رءوسهم فكيف برءوس أموالهم وإلا فكذلك عند ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، فقد أخرج ابن جرير عنه أنه قال : من كان مقيما على الربا لا ينزع عنه فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه فإن نزع وإلا ضرب عنقه ، ومثله عن الصادق رضي الله تعالى عنه ، وأما عند غيرهما فهم محبوسون إلى أن تظهر توبتهم ولا يمكنون من التصرفات رأسا فما لم يتوبوا لم يسلم لهم شيء من أموالهم بل إنما يسلم بموتهم لورثتهم ، قال المولى أبو السعود. وغيره : واستدل بالآية على أن الممتنع عن أداء الدين مع القدرة ظالم يعاقب بالحبس وغيره وقد فصل ذلك الفقهاء أتم تفصيل (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ) أي إن وقع المطلوب ـ ذا إعسار لضيق حال من جهة عدم المال على ـ إن ـ كان تامة ، وجوز بعض الكوفيين ـ إن ـ تكون ناقصة ،