الحطب ـ أي أولئك المتصفون بالكفر المبعدون عن عز الحضور ـ حطب النار التي تسعر به لكفرهم ، وقيل : الوقود بالفتح لغة في الوقود بالضم ـ وبه قرأ الحسن ـ مصدر بمعنى الإيقاد فيقدر حينئذ مضاف أي أهل وقودها ـ والأول هو الصحيح ـ وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على تحقق الأمر وتقرره ، أو للإيذان بأن حقيقة حالهم ذلك وأنهم في حال كونهم في الدنيا وقود النار بأعيانهم ، وهي إما مستأنفة مقررة لعدم الإغناء أو معطوفة على الجملة الأولى الواقعة خبرا لأن ، و (هُمْ) يحتمل أن يكون مبتدأ ويحتمل أن يكون فصلا.
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) الدأب العادة والشأن ، وأصله من دأب في الشيء دأبا ودءوبا إذا اجتهد فيه وبالغ ـ أي حال هؤلاء في الكفر واستحقاق العذاب كحال آل فرعون فالجار والمجرور خبر لمبتدإ محذوف والجملة منفصلة عما قبلها مستأنفة استئنافا بيانيا بتقدير ـ ما سبب هذا ـ على ما قاله بعض المحققين.
ومن الناس من جوز أن يكون الجار متعلقا بمحذوف وقع صفة لمصدر ـ تغنى ـ أي إغناء كائنا كعدم إغناء أو بوقود أي توقد بهم كما توقد بأولئك ـ ولا يخفى ما في الوجهين ـ أما الأول فقد قال فيه أبو حيان : إنه ضعيف للفصل بين العامل والمعمول بالجملة التي هي ، و (أُولئِكَ) إلخ إذا قدرت معطوفة فإن قدرت استئنافية وهو بعيد جاز. وأما الثاني فقد اعترضه الحلبي بأن الوقود على المشهور الأظهر فيه اسم لما يوقد به وإذا كان اسما فلا عمل له «فإن قيل» إنه مصدر كما في قراءة الحسن صح لكنه لم يصح وأورد عليهما معا أنهما خلاف الظاهر لأن المذكور في تفسير الدأب إنما هو التكذيب والأخذ من غير تعرض لعدم الإغناء لا سيما على تقدير كون (مِنْ) بدلية ـ ولا ـ لإيقاد النار (١) فليفهم (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وهم كفار الأمم الماضية فالضمير لآل فرعون ، وقيل : للذين كفروا ، والمراد بالموصول معاصر ورسول الله صلىاللهعليهوسلم (كَذَّبُوا بِآياتِنا) تفسير لدأبهم الذي فعلوا على سبيل الاستئناف البياني ، والمراد «بالآيات» إما المتلوة في كتب الله تعالى أو العلامات الدالة على توحيد الله تعالى وصدق أنبيائه عليهم الصلاة والسلام (فَأَخَذَهُمُ اللهُ) تفسير ـ لدأبهم ـ الذي فعل بهم أي فعاقبهم الله تعالى ولم يجدوا من بأس الله تعالى محيصا ، وقيل : إن جملة (كَذَّبُوا) إلخ في حيز النصب على الحال من (آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) بإضمار قد ، ويجوز على بعد أن تكون في حيز الرفع على أنها خبر عن الذين والالتفات للتكلم أولا في آياتنا للجري على سنن الكبرياء ، وإلى الغيبة ثانيا بإظهار الجلالة لتربية المهابة وإدخال الروعة.
(بِذُنُوبِهِمْ) أي بسببها أو متلبسين بها غير تائبين ، والمراد من الذنوب ـ على الأول ـ التكذيب بالآيات المتعددة ، وجيء بالسببية تأكيدا لما تفيده الفاء ، وعلى الثاني سائر الذنوب ، وفي ذلك إشارة إلى أن لهم ذنوبا أخر ، وأصل الذنب التلو والتابع ، ثم أطلق على الجريمة لأنها يتلو ـ أي يتبع ـ عقابها فاعلها (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن كفر بآياته ، والجملة تذييل مقررة لمضمون ما قبلها من الأخذ (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) روى أبو صالح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن يهود أهل المدينة قالوا لما هزم الله تعالى المشركين يوم بدر : هذا والله النبي الأمي الذي بشرنا به موسى عليه الصلاة والسلام ونجده في كتابنا بنعته وصفته وأنه لا يرد له راية وأرادوا تصديقه واتباعه ثم قال بعضهم لبعض : لا تعجلوا حتى تنظروا إلى وقعة له أخرى فلما كان يوم أحد ونكب أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم شكوا وقالوا : لا والله ما هو به وغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا وكان بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم عهد إلى مدة فنقضوا ذلك العهد وانطلق كعب بن الأشرف إلى ستين راكبا إلى أهل مكة أبي سفيان وأصحابه فوافقوهم وأجمعوا أمرهم وقالوا :
__________________
(١) هكذا الأصل تدبر ا ه ادارة.