وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال : بلغنا أن دية المعاهد كانت كدية المسلم ثم نقصت بعد في آخر الزمان فجعلت مثل نصف دية المسلم ؛ وأخرج أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن دية أهل الكتاب كانت على عهد النبي صلىاللهعليهوسلم النصف من دية المسلمين وبذلك أخذ مالك.
وعن الشافعي رضي الله تعالى عنه دية اليهودي والنصراني نصف دية المسلم ودية المجوسي ثلثا عشرها ، وزعم بعضهم وجوب الدية أيضا فيما إذا كان المقتول من قوم عدو لنا وهو مؤمن لعموم الآية الأولى ، وأن السكوت عن الدية في آيته لا ينفيها ، وإنما سكت عنها لأنه لا يجب فيه دية تسلم إلى أهله لأنهم كفار بل تكون لبيت المال ، فأراد أن يبين بالسكوت أن أهله لا يستحقون شيئا ، وقال آخرون إن الدية تجب في المؤمن إذا كان من قوم معاهدين ، وتدفع إلى أهله الكفار وهم أحق بديته لعهدهم ، ولعل هؤلاء لا يعدون ذلك إرثا إذ لا يرث الكافر ـ ولو معاهدا ـ المسلم كما برهن عليه (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) رقبة يحررها بأن لم يملكها ولا ما يتوصل به إليها من الثمن (فَصِيامُ) أي فعليه صيام (شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) قال مجاهد : لا يفطر فيهما ولا يقطع صيامهما ، فإن فعل من غير مرض ولا عذر استقبل صيامهما جميعا ، فإن عرض له مرض أو عذر صام ما بقي منهما ، فإن مات ولم يصم أطعم عنه ستين مسكينا لكل مسكين مدّ ، رواه ابن أبي حاتم.
وأخرج عنه أيضا أنه قال : فمن لم يجد دية ، أو عتاقة فعليه الصوم ، وبه أخذ من قال : إن الصوم لفاقد الدية والرقبة يجزيه عنهما ، والاقتصار على تقدير الرقبة مفعولا ـ هو المروي عن الجمهور ـ وأخرج ابن جرير عن الضحاك أنه قال : الصيام لمن لم يجد رقبة ، وأما الدية فواجبة لا يبطلها شيء ، ثم قال ـ وهو الصواب ـ لأن الدية في الخطأ على العاقلة والكفارة على القاتل ، فلا يجزئ صوم صائم عما لزم غيره في ماله ، واستدل بالآية من قال : إنه لا إطعام في هذه الكفارة ، ومن قال : ينتقل إليه عند العجز عن الصوم قاسه على الظهار وهو أحد قولين للشافعي رحمهالله تعالى ، وبذكر الكفارة في الخطأ دون العمد ، من قال إن لا كفارة في العمد ، والشافعي يقول : هو أولى بها من الخطأ (تَوْبَةً) نصب على أنه مفعول له أي شرع لكم ذلك توبة أي قبولا لها من تاب الله تعالى عليه إذ قبل توبته ، وفيه إشارة إلى التقصير بترك الاحتياط.
وقيل : التوبة هنا بمعنى التخفيف أي شرع لكم هذا تخفيفا عليكم ، وقيل : إنه منصوب على الحالية من الضمير المجرور في ـ عليه ـ بحذف المضاف أي فعليه صيام شهرين حال كونه ذا توبة ، وقيل : على المصدرية أي تاب عليكم توبة ، وقوله سبحانه (مِنَ اللهِ) متعلق بمحذوف وقع صفة للنكرة أي توبة كائنة من الله تعالى.
(وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بجميع الأشياء التي من جملتها حال هذا القاتل (حَكِيماً) في كل ما شرع وقضى من الأحكام التي من جملتها ما شرع وقضى في شأنه (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) بأن يقصد قتله بما يفرق الأجزاء ، أو بما لا يطيقه البتة عالما بإيمانه ، وهو نصب على الحال من فاعل «يقتل».
وروي عن الكسائي أنه سكن التاء وكأنه فر من توالي الحركات (فَجَزاؤُهُ) الذي يستحقه بجنايته (جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) أي ماكثا إلى الأبد ، أو مكثا طويلا إلى حيث شاء الله تعالى ، وهو حال مقدرة من فاعل فعل مقدر يقتضيه المقام كأنه قيل : فجزاؤه أن يدخل جهنم خالدا.
وقال أبو البقاء : هو حال من الضمير المرفوع ، أو المنصوب في يجزاها المقدر ، وقيل : هو من المنصوب لا غير ويقدر جازاه ، وأيد بأنه أنسب بعطف ما بعده عليه لموافقته له صيغة ، ومنع جعله حالا من الضمير المجرور في (فَجَزاؤُهُ) لوجهين : أحدهما أنه حال من المضاف إليه ، وثانيهما أنه فصل بين الحال وذيها بخبر المبتدأ ، وقول