للخد ـ وأحرار الطير ، وكذا تحرير الكتاب من هذا أيضا ، والمراد بالرقبة النسمة تعبيرا عن الكل بالجزء ، قال الراغب : إنها في المتعارف للمماليك كما يعبر بالرأس والظهر عن المركوب ، فيقال : فلان يربط كذا رأسا وكذا ظهرا (مُؤْمِنَةٍ) محكوم بإيمانها وإن كانت صغيرة ، وإلى ذلك ذهب عطاء ، وعن ابن عباس والشعبي وإبراهيم والحسن لا يجزئ في كفارة القتل الطفل ولا الكافر ، وأخرج عبد الرزاق عن قتادة قال في حرف أبي : فتحرير رقبة مؤمنة لا يجزئ فيها صبي ، وفي الآية رد على من زعم جواز عتق كتابي صغير أو مجوسي كبير أو صغير ، واستدل بها على عدم إجزاء نصف رقبة ونصف أخرى (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) أي مؤداة إلى ورثة القتيل يقتسمونها بينهم على حسب الميراث ، فقد أخرج أصحاب السنن الأربعة عن الضحاك بن سفيان الكلابي قال : كتب إليّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم يأمرني أن أورث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها ويقضى منها الدين وتنفذ الوصية ولا فرق بينها وبين سائر التركة ، وعن شريك لا يقضى من الدية دين ولا تنفذ وصية.
وعن ربيعة الغرة لأم الجنين وحدها ؛ وذلك خلاف قول الجماعة ، وتجب الرقبة في مال القاتل ، والدية تتحملها عنه العاقلة ، فإن لم تكن فهي في بيت المال ، فإن لم يكن ففي ماله (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) أي يتصدق أهله عليه ، وسمي العفو عنها صدقة حثا عليه ، وقد أخرج الشيخان عن النبي صلىاللهعليهوسلم «كل معروف صدقة» وهو متعلق بعليه المقدر قبل ، أو ـ بمسلمة ـ أي فعليه الدية أو يسلمها في جميع الأحيان إلا حين أن يتصدق أهله بها فحينئذ تسقط ولا يلزم تسليمها ، وليس فيه ـ كما قيل ـ دلالة على سقوط التحرير حتى يلزم تقدير عليه آخر قبل قوله : (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ) فالمنسبك في محل نصب على الاستثناء ، وقال الزمخشري : إن المنسبك في محل النصب على الحال من القاتل أو الأهل أو لظرف ، وتعقبه أبو حيان بأن كلا التخريجين خطأ لأن (أَنْ) والفعل لا يجوز وقوعهما حالا ، ولا منصوبا على الظرفية ـ كما نص عليه النحاة ـ وذكر أن بعضهم استشهد على وقوع (أَنْ) وصلتها موقع ظرف الزمان بقوله :
فقلت لها لا تنكحيه فإنه |
|
لأول سهم أن يلاقي مجمعا |
أي لأول سهم زمان ملاقاته ، وابن مالك ـ كما قال السفاقسي ـ يقدر في الآية والبيت حرف الجر أي بأن يصدقوا ، وبأن يلاقي ، وقرأ أبي ـ إلا أن يتصدقوا ـ (فَإِنْ كانَ) أي المقتول خطأ (مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ) أي كفار يناصبونكم الحرب (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) ولم يعلم به القاتل لكونه بين أظهر قومه بأن أتاهم بعد أن أسلم أعلمهم ، أو بأن أسلم فيما بينهم ولم يفارقهم ، والآية نزلت ـ كما قال ابن جبير ـ في مرداس بن عمرو لما قتله خطأ أسامة بن زيد (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) أي فعلى قاتله الكفارة دون الدية إذ لا وراثة بينه وبين أهله (فَإِنْ كانَ) أي المقتول المؤمن ـ كما روي عن جابر بن زيد ـ (مِنْ قَوْمٍ) كفار (بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) أي عداء مؤقت أو مؤبد (فَدِيَةٌ) أي فعلى قاتله دية (مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) من أهل الإسلام إن وجدوا ، ولا تدفع إلى ذوي قرابته من الكفار ، وإن كانوا معاهدين إذ لا يرث الكافر المسلم ، ولعل تقديم هذا الحكم ـ كما قيل ـ مع تأخير نظيره فيما سلف للإشعار بالمسارعة إلى تسليم الدية تحاشيا عن توهم نقض الميثاق (وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) كما هو حكم سائر المسلمين ، ولعل إفراده بالذكر ـ كما قيل ـ أيضا مع اندراجه في حكم ما سبق في قوله سبحانه : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً) إلخ لبيان أن كونه فيما بين المعاهدين لا يمنع وجوب الدية كما منعه كونه بين المحاربين.
وقيل : المراد بالمقتول هنا أحد أولئك القوم المعاهدين فيلزم قاتله تحرير الرقبة ، وأداء الدية إلى أهله المشركين للعهد الذي بيننا وبينهم ، وروي ذلك عن ابن عباس والشعبي وأبي مالك ، واستدل بها على أن دية المسلم والذمي سواء لأنه تعالى ذكر في كل الكفارة والدية فيجب أن تكون ديتهما سواء كما أن الكفارة عنهما سواء.