الواو والفاء كقوله :
ومن لا يقدم رجله مطمئنة |
|
فيثبتها في مستوى القاع يزلق |
وقاسوا عليهما ثم ، وليس ما ذكر في البيت نظير الآية ، وقيل : من عطف المصدر المتوهم على المصدر المتوهم مثل ـ أكرمني وأكرمك ـ أي ليكن منك إكرام ومني ، والمعنى من يكن منه خروج من بيته وإدراك الموت له (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) أي وجب بمقتضى وعده وفضله وهو جواب الشرط ، وفي مقارنة هذا الشرط مع الشرط السابق الدلالة على أن المهاجر له إحدى الحسنيين إما أن يرغم أنف أعداء الله ويذلهم بسبب مفارقته لهم واتصالهم بالخير والسعة ، وإما أن يدركه الموت ويصل إلى السعادة الحقيقية والنعيم الدائم ، وفي الآية ما لا يخفى من المبالغة في الترغيب فقد قيل : كان مقتضى الظاهر ـ ومن يهاجر إلى الله ورسوله ويمت يثبه ـ إلا أنه اختير «ومن يخرج مهاجرا من بيته» على ـ ومن يهاجر ـ لما أشرنا إليه آنفا ، ووضع (يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ) موضع ـ يمت ـ إشعارا بمزيد الرضا من الله تعالى ، وأن الموت كالهدية منه سبحانه له لأنه سبب للوصول إلى النعيم المقيم الذي لا ينال إلا بالموت ، وجيء ـ بثم ـ بدل الواو تتميما لهذه الدقيقة ، وأن مرتبة الخروج دون هذه المرتبة ، وأقيم (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) مقام ـ يثبه ـ لما أنه مؤذن باللزوم والثبوت ، وأن الأجر عظيم لا يقادر قدره ولا يكتنه كنهه لأنه على الذات الأقدس المسمى بذلك الاسم الجامع ؛ وعن الزمخشري : إن فائدة (ثُمَّ يُدْرِكْهُ) بيان أن الأجر إنما يستقر إذا لم يحبط العمل الموت ، واختلف فيمن نزلت ؛ فأخرج ابن جرير عن ابن جبير أنها نزلت في جندب بن ضمرة ، وكان بلغه قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) الآية وهو بمكة حين بعث بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى مسلميها فقال لبنيه : احملوني فإني لست من المستضعفين ، وإني لأهتدي الطريق ، وإني لا أبيت الليلة بمكة فحملوه على سرير متوجها إلى المدينة وكان شيخا كبيرا فمات بالتنعيم ولما أدركه الموت أخذ يصفق يمينه على شماله ؛ ويقول : اللهم هذه لك ، وهذه لرسولكصلىاللهعليهوسلم أبايعك على ما بايع عليه رسولك ، ولما بلغ خبر موته الصحابة رضي الله تعالى عنهم قالوا : ليته مات بالمدينة فنزلت ، وروى الشعبي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت في أكثم بن صيفي لما أسلم ومات وهو مهاجر ، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير أنها نزلت في خالد بن حزام وقد كان هاجر إلى الحبشة فنهشته حية في الطريق فمات ، وروي غير ذلك ، وعلى العلات فالمراد عموم اللفظ لا خصوص السبب ، وقد ذكر أيضا غير واحد أن من سار لأمر فيه ثواب كطلب علم وحج وكسب حلال وزيارة صديق وصالح ومات قبل الوصول إلى المقصد فحكمه كذلك ، وقد أخرج أبو يعلى والبيهقي عن أبي هريرة قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : من خرج حاجا فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة ، ومن خرج معتمرا فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة ، ومن خرج غازيا في سبيل الله تعالى فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة» ، واحتج أهل المدينة بالآية على أن الغازي إذا مات في الطريق وجب سهمه في الغنيمة ، والصحيح ثبوت الأجر الأخروي فقط (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) مبالغا في المغفرة فيغفر له ما فرط منه من الذنوب التي من جملتها القعود عن الهجرة إلى وقت الخروج (رَحِيماً) مبالغا في الرحمة فيرحمه سبحانه بإكمال ثواب هجرته ونيته.
ومن باب الإشارة في بعض ما تقدم من الآيات : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ) أي وما ينبغي لمؤمن الروح (أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً) وهو مؤمن القلب إلا أن يكون قتلا خطأ ، وذلك إنما يكون إذا خلصت الروح من حجب الصفات البشرية فإذا أرادت أن تتوجه إلى النفس أنوارها لتميتها وقع تجليها على القلب فخر صعقا من ذلك التجلي ودك جبل النفس دكا فكان قتله خطأ لأنه لم يكن مقصودا (وَمَنْ قَتَلَ) قلبا (مُؤْمِناً) خطأ (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) وهي رقبة السر