الروحاني وتحريرها إخراجها عن رق المخلوقات (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) تسلمها العاقلة وهي الألطاف الإلهية إلى القوى الروحانية فيكون لكل منهما من حظ الأخلاق الربانية (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) وذلك وقت غنائهم بالفناء بالله تعالى (فَإِنْ كانَ) المقتول بالتجلي (مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ) بأن كان من قوى النفس الأمارة (وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) وهي رقبة القلب فيطلقه من وثاق رق حب الدنيا والميل إليها ، ولا دية في هذه الصورة لأهل القتيل (وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) بأن كان من قوى النفس القابلة للأحكام الشرعية ظاهرا والمهادنة للقلب (فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ) واجبة على عاقلة الرحمة (إِلى أَهْلِهِ) أي أهل تلك النفس من الصفات الأخر (وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) وهي رقبة الروح وتحريرها إفناؤها وإطلاقها عن سائر القيود (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) رقبة كذلك بأن كانت روحه محررة قبل (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) أي فعليه الإمساك عن العادات وترك المألوفات ستين يوما ، وهي مقدار مدة الميقات الموسوي ونصفها رجاء أن يحصل له البقاء بعد الفناء (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) إشارة إلى أن النفس إذا قتلت القلب واستولت عليه بقيت معذبة في نيران الطبيعة مبعدة عن الرحمة مظهرا لغضب الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) لإرشاد عباده (فَتَبَيَّنُوا) حال المريد في الرد والقبول (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي لا تنفروا من استسلم لكم وأسلم نفسه بأيديكم لترشدوه فتقولوا له لست مؤمنا صادقا لتعلق قلبك بالدنيا فسلم ما عندك من حطامها ليخلو قلبك لربك وتصلح لسلوك الطريق (فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) للسالكين إليه فإذا حظي بها السالك ترك لها ما في يده من الدنيا وأعرض قلبه عن ذلك (كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا) أي مثل هذا المريد كنتم أنتم في مبادئ طلبكم وتسليم أنفسكم للمشايخ حيث كان لكم تعلق بالدنيا فمنّ الله عليكم بعد السلوك بتلك المغانم الكثيرة التي عنده فأنساكم جميع ما في أيديكم وفطم قلوبكم عن الدنيا بأسرها فقيسوا حال من يسلم نفسه إليكم بحالكم لتعلموا أن الله سبحانه بمقتضى ما عود المتوجهين إليه الطالبين له سيمنّ على هؤلاء بما منّ به عليكم ، ويخرج حب الدنيا من قلوبهم بأحسن وجه كما أخرجه من قلوبكم.
والحاصل أنه لا ينبغي أن يقال لمن أراد التوجه إلى الحق جل وعلا من أرباب الدنيا في مبادئ الأمر : اترك دنياك واسلك لأن ذلك مما ينفره ويسد باب التوجه عليه لشدة ترك المحبوب دفعة واحدة ، ولكن يؤمر بالسلوك ويكلف من الأعمال ما يخرج ذلك عن قلبه لكن على سبيل التدريج (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) بمنعها عن حقوقها التي اقتضتها استعداداتهم من الكمالات المودعة فيها (قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) حيث قعدتم عن السعي وفرطتم في جنب الله تعالى وقصرتم عن بلوغ الكمال الذي ندبتم إليه (قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) أي أرض الاستعداد باستيلاء قوى النفس الأمارة وغلبة سلطان الهوى وشيطان الوهم قالوا : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) أي ألم تكن سعة استعدادكم بحيث تهاجروا فيها من مبدأ فطرتكم إلى نهاية كمالكم ، وذلك مجال واسع فلو تحركتم وسرتم بنور فطرتكم خطوات يسيرة بحيث ارتفعت عنكم بعض الحجب انطلقتم عن أسر القوى وتخلصتم عن قيود الهوى وخرجتم عن القرية الظالم أهلها التي هي مكة النفس الأمارة إلى البلدة الطيبة التي هي مدينة القلب ، وإنما نسب سبحانه وتعالى هنا التوفي إلى الملائكة لأن التوفي وهو استيفاء الروح من البدن بقبضها عنه على ثلاثة أوجه : توفي الملائكة وتوفي ملك الموت وتوفي الله تعالى ، فأما توفي الملائكة فهو لأرباب النفوس ، وهم إما سعداء وإما أشقياء ، وأما توفي ملك الموت فهو لأرباب القلوب الذين برزوا عن حجاب النفس إلى مقام القلب وأما توفي الله تعالى فهو للموحدين الذين عرج بهم عن مقام القلب إلى محل الشهود فلم يبق بينهم وبين ربهم حجاب فهو سبحانه