ثلاث : في الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته ، وحديث المرأة زوجها».
وعد غير واحد الإصلاح من الصدقة ، وأيد بما أخرجه البيهقي عن أبي أيوب «أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال له : يا أبا أيوب ألا أدلك على صدقة يرضى الله تعالى ورسوله موضعها؟ قال : بلى قال : تصلح بين الناس إذا تفاسدوا وتقرب بينهم إذا تباعدوا» ، وعن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أفضل الصدقة إصلاح ذات البين» وهذا الخبر ظاهر في أن الإصلاح أفضل من الصدقة بالمال.
ومثله ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه عن أبي الدرداء قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا : بلى قال : إصلاح ذات البين» ولا يخفى أن هذا ونحوه مخرّج مخرج الترغيب ، وليس المراد ظاهره إذ لا شك أن الصيام المفروض والصلاة المفروضة والصدقة كذلك أفضل من الإصلاح اللهم إلا أن يكون إصلاح يترتب على عدمه شر عظيم وفساد بين الناس كبير. (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي المذكور من الصدقة وأخويها ؛ والكلام تذييل للاستثناء ، وكان الظاهر ومن يأمر بذلك ليكون مطابقا للمذيل إلا أنه رتب الوعد على الفعل إثر بيان خيرية الآمر لما أن المقصود الترغيب في الفعل وبيان خيرية الآمر به للدلالة على خيريته بالطريق الأولى ، وجوز أن يكون عبر عن الأمر بالفعل إذ هو يكنى به عن جميع الأشياء كما إذا قيل : حلفت على زيد وأكرمته وكذا وكذا فتقول : نعم ما فعلت ، ولعل نكتة العدول عن يأمر إلى (يَفْعَلْ) حينئذ الإشارة إلى أن التسبب لفعل الغير الصدقة والإصلاح والمعروف بأي وجه كان كاف في ترتب الثواب ، ولا يتوقف ذلك على اللفظ ، ويجوز جعل ذلك إشارة إلى الأمر فيكون معنى من أمر (وَمَنْ يَفْعَلْ) الأمر واحدا ، وقيل : لا حاجة إلى جعله تذييلا ليحتاج إلى التأويل تحصيلا للمطابقة ، بل لما ذكر لآمر استطراد ذكر ممتثل أمره كأنه قيل : ومن يمتثل (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) أي لأجل طلب رضاء الله تعالى (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ) بنون العظمة على الالتفات ، وقرأ أبو عمرو وحمزة وقتيبة عن الكسائي وسهل وخلف بالياء (أَجْراً عَظِيماً) لا يحيط به نطاق الوصف ، قيل : وإنما قيد الفعل بالابتغاء المذكور لأن الأعمال بالنيات ، وإن من فعل خيرا لغير ذلك لم يستحق به غير الحرمان ، ولا يخفى أن هذا ظاهر في أن الرياء محبط لثواب الأعمال بالكلية وهو ما صرح به ابن عبد السلام والنووي وقال الغزالي : إذا غلب الإخلاص فهو مثاب وإلا فلا ، وقيل :
هو مثاب غلب الإخلاص أم لا لكن على قدر الإخلاص ، وفي دلالة الآية ـ على أن غير المخلص لا يستحق غير الحرمان ـ نظر لأنه سبحانه أثبت فيها للمخلص أجرا عظيما وهو لا ينافي أن يكون لغيره ما دونه ، وكون العظمة بالنسبة إلى أمور الدنيا خلاف الظاهر (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) أي يخالفه ـ من الشق فإن كلّا من المتخالفين في شق غير شق الآخر ، ولظهور الانفكاك بين الرسول ـ ومخالفة فك الإدغام هنا ، وفي قوله سبحانه في [الأنفال : ١٣] (وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ) ـ رعاية لجانب المعطوف ، ولم يفك في قوله تعالى في [الحشر : ٤] (وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ).
وقال الخطيب : في حكمة الفك والإدغام أن أل في الاسم الكريم لازمة بخلافها في الرسول ، واللزوم يقتضي الثقل فخفف بالإدغام فيما صحبته الجلالة بخلاف ما صحبه لفظ الرسول ، وفي آية الأنفال صار المعطوف والمعطوف عليه كالشيء الواحد ، وما ذكرناه أولى ، والتعرض لعنوان الرسالة لإظهار كمال شناعة ما اجترءوا إليه من المشاقة والمخالفة ، وتعليل الحكم الآتي بذلك ، والآية نزلت كما قدمناه في سارق الدرع أو مودعها ، وقيل : في قوم طعمة لما ارتدوا بعد أن أسلموا ، وأيا ما كان فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيندرج فيه ذلك وغيره من المشاقين (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) أي ظهر له الحق فيما حكم به النبي صلىاللهعليهوسلم أو فيما يدعيه عليه الصلاة والسلام بالوقوف على المعجزات الدالة على نبوته (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) أي غير ما هم مستمرون عليه من عقد