مجازا لتسببها عنها ، أو بمعنى الإرشاد إلى ما يمنع عن المعاصي على سبيل الاستعارة التبعية لأن التوبة تمنع عنها كما أن إرشاده تعالى كذلك ، أو مجاز عن حثه تعالى عليها لأنه سبب لها عكس الأول ، أو بمعنى الإرشاد إلى ما يكفرها على التشبيه أيضا ، وإلى جميع ذلك أشار ناصر الدين البيضاوي.
وقرر العلامة الطيبي أن هذا من وضع المسبب موضع السبب وذلك لعطف (وَيَتُوبَ) على (وَيَهْدِيَكُمْ) إلخ على سبيل البيان كأنه قيل : ليبين لكم ويهديكم ويرشدكم إلى الطاعات ، فوضع موضعه (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) وما يرد على بعض الوجوه من لزوم تخلف المراد عن الإرادة وهي علة تامة يدفعه كون الخطاب ليس عاما لجميع المكلفين بل لطائفة معينة حصلت لهم هذه التوبة (وَاللهُ عَلِيمٌ) مبالغ في العلم بالأشياء فيعلم ما شرع لكم من الأحكام وما سلكه المهتدون من الأمم قبلكم وما ينفع عباده المؤمنين وما يضرهم (حَكِيمٌ) مراع في جميع أفعاله الحكمة والمصلحة فيبين لمن يشاء ويهدي من يشاء ويتوب على من يشاء ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) جعله بعضهم تكرارا لما تقدم للتأكيد والمبالغة وهو ظاهر إذا كان المراد من التوبة هناك وهنا شيئا واحدا ، وأما إذا فسر (يَتُوبَ) أولا بقبول التوبة والإرشاد مثلا ، وثانيا بأن يفعلوا ما يستوجبون به القبول فلا يكون تكرارا ، وأيضا إنما يتمشى ذلك على كون (لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) مفعولا وإلا فلا تكرار أيضا لأن تعلق الإرادة بالتوبة في الأول على جهة العلية ، وفي الثاني على جهة المفعولية وبذلك يحصل الاختلاف لا محالة (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ) يعني الفسقة لأنهم يدورون مع شهوات أنفسهم من غير تحاش عنها فكأنهم بانهماكهم فيها أمرتهم الشهوات باتباعها فامتثلوا أمرها واتبعوها فهو استعارة تمثيلية ، وأما المتعاطي لما سوغه الشرع منها دون غيره فهو متبع له لا لها.
وروي هذا عن ابن زيد ، وأخرج مجاهد عن ابن عباس أنهم الزناة ، وأخرج ابن جرير عن السدي أنهم اليهود والنصارى ، وقيل : إنهم اليهود خاصة حيث زعموا أن الأخت من الأب حلال في التوراة ، وقيل : إنهم المجوس حيث كانوا يحلون الأخوات لأب لأنهم لم يجمعهم رحم ، وبنات الأخ والأخت قياسا على بنات العمة والخالة بجامع أن أمهما لا تحل ، فكانوا يريدون أن يضلوا المؤمنين بما ذكر ، ويقولون : لم جوزتم تلك ولم تجوزوا هذه؟! فنزلت ، وغوير بين الجملتين ليفرق بين إرادة الله تعالى وإرادة الزائغين (أَنْ تَمِيلُوا) عن الحق بموافقتهم فتكونوا مثلهم ، وعن مجاهد أن تزنوا كما يزنون.
وقرئ بالياء التحتانية فالضمير حينئذ ـ للذين يتبعون الشهوات (مَيْلاً عَظِيماً) بالنسبة إلى ميل من اقترف حطيئة على ندرة ، واعترف بأنها خطيئة ولم يستحل (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) أي في التكليف في أمر النساء والنكاح بإباحة نكاح الإماء ـ قاله طاوس ومجاهد ـ وقيل : يخفف في التكليف على العموم فإنه تعالى خفف عن هذه الأمة ما لم يخفف عن غيرها من الأمم الماضية ، وقيل : يخفف بقبول التوبة والتوفيق لها ، والجملة مستأنفة ، لا محل لها من الإعراب (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) أي في أمر النساء لا يصبر عنهن ـ قاله طاوس – وفي الخبر «لا خير في النساء ولا صبر عنهن يغلبن كريما ويغلبهن لئيم فأحب أن أكون كريما مغلوبا ولا أحب أن أكون لئيما غالبا»وقيل : يستميله هواه وشهوته ويستشيطه خوفه وحزنه ، وقيل : عاجز عن مخالفة الهوى وتحمل مشاق الطاعة ، وقيل : ضعيف الرأي لا يدرك الأسرار والحكم إلا بنور إلهي.
وعن الحسن رضي الله تعالى عنه أن المراد ضعيف الخلقة يؤلمه أدنى حادث نزل به ، ولا يخفى ضعف مساعدة المقام لهما فإن الجملة اعتراض تذييلي مسوق لتقرير ما قبله من التخفيف بالرخصة في نكاح الإماء ، وليس