لضعف الرأي ولا لضعف البنية مدخل في ذلك ، وكونه إشارة إلى تجهيل المجوس في قياسهم على أول القولين ليس بشيء ، ونصب ضعيفا على الحال. وقيل : على التمييز ، وقيل : على نزع الخافض أي من ضعيف وأريد به الطين أو النطفة ، وكلاهما (١) كما ترى ، وقرأ ابن عباس «وخلق الإنسان» على البناء للفاعل والضمير للهعزوجل.
وأخرج البيهقي في الشعب عنه أنه قال : ثماني آيات نزلت في سورة النساء هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت ، الأولى (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) والثانية (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) إلى آخرها ، والثالثة (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) إلى آخرها ، والرابعة (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) والخامسة (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) [النساء : ٤] والسادسة (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء : ١١٠] والسابعة (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) [النساء : ٤٨ ، ١١٦] إلى آخرها ، والثامنة (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) [النساء : ١٥٢]. الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) بيان لبعض المحرمات المتعلقة بالأموال والأنفس إثر بيان تحريم النساء على غير الوجوه المشروعة ، وفيه إشارة إلى كمال العناية بالحكم المذكور ، والمراد من الأكل سائر التصرفات ، وعبر به لأنه معظم المنافع ، والمعنى لا يأكل بعضكم أموال بعض ، والمراد بالباطل ما يخالف الشرع كالربا والقمار والبخس والظلم ـ قاله السدي ـ وهو المروي عن الباقر رضي الله تعالى عنه ، وعن الحسن هو ما كان بغير استحقاق من طريق الأعواض وأخرج عنه وعن عكرمة بن جرير أنهما قالا : كان الرجل يتحرج أن يأكل عند أحد من الناس بهذه الآية فنسخ ذلك بالآية التي في سورة [النور : ٦١] (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) الآية ، والقول الأول أقوى لأن ما أكل على وجه مكارم الأخلاق لا يكون أكلا بالباطل ، وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود أنه قال في الآية : إنها محكمة ما نسخت ولا تنسخ إلى يوم القيامة ، و (بَيْنَكُمْ) نصب على الظرفية ، أو الحالية من أموالكم (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) استثناء منقطع ، ونقل أبو البقاء القول بالاتصال وضعفه ، و (عَنْ) متعلقة بمحذوف وقع صفة لتجارة ، و (مِنْكُمْ) صفة (تَراضٍ) أي إلا أن تكون التجارة تجارة صادرة (عَنْ تَراضٍ) كائن (مِنْكُمْ) أو إلا أن تكون الأموال أموال تجارة ، والنصب قراءة أهل الكوفة ، وقرأ الباقون بالرفع على أن ـ كان ـ تامة.
وحاصل المعنى لا تقصدوا أكل الأموال بالباطل لكن اقصدوا كون أي وقوع تجارة (عَنْ تَراضٍ) أو لا تأكلوا ذلك كذلك فإنه منهي عنه لكن وجود تجارة عن تراض غير منهي عنه ، وتخصيصها بالذكر من بين سائر أسباب الملك لكونها أغلب وقوعا وأوفق لذوي المروءات. وقد أخرج الأصبهاني عن معاذ بن جبل قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا وإذا وعدوا لم يخلفوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا اشتروا لم يذموا وإذا باعوا لم يمدحوا وإذا كان عليهم لم يمطلوا وإذا كان لهم لم يعسروا» وأخرج سعيد بن منصور عن نعيم بن عبد الرحمن الأزدي قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : تسعة أعشار الرزق في التجارة والعشر في المواشي».
وجوز أن يراد بها انتقال المال من الغير بطريق شرعي سواء كان تجارة أو إرثا أو هبة أو غير ذلك من استعمال الخاص وإرادة العام ، وقيل : المقصود بالنهي المنع عن صرف المال فيما لا يرضاه الله تعالى ، وبالتجارة صرفه فيما
__________________
(١) أي القولين ا ه منه.