هنا سببية كما في قوله صلىاللهعليهوسلم : «إن امرأة دخلت النار في هرة» فالكلام إذا مثل جئتك في يوم الجمعة في أمر زيد أي بسببه ، وإضافة اليتامى إلى النساء بمعنى من لأنها إضافة الشيء إلى جنسه ، وجعلها أبو حيان بمعنى اللام ومعناها الاختصاص ، وادعي أنه الأظهر وليس بشيء ـ كما قال الحلبي وغيره ـ وقرئ ـ ييامى ـ بياءين على أنه جمع أيم والعرب تبدل الهمزة ياء كثيرا (اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَ) أي ما فرض لهن من الميراث وغيره على ما اختاره شيخ الإسلام ، أو ما فرض لهن من الميراث فقط على ما روي عن ابن عباس وابن جبير ومجاهد رضي الله تعالى عنه ، واختاره الطبري ، أو ما وجب لهن من الصداق على ما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها ، واختاره الجبائي ، وقيل : (ما كُتِبَ لَهُنَ) من النكاح فإن الأولياء كانوا يمنعوهن من التزوج.
وروي ذلك عن الحسن وقتادة والسدي وإبراهيم (وَتَرْغَبُونَ) عطف على صلة (اللَّاتِي) أو على المنفي وحده ، وجوز أن يكون حالا من فاعل (تُؤْتُونَهُنَ) فإن قلنا بجواز اقتران الجملة المضارعية الحالية بالواو : فظاهر ، وإذا قلنا بعدم الجواز : التزم تقدير مبتدأ أي وأنتم ترغبون (أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) أي في (أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) أو عن (أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) فإن أولياء اليتامى ـ كما ورد في غير ما خبر ـ كانوا يرغبون فيهن إن كن جميلات ويأكلون ما لهن ، وإلا كانوا يعضلوهن طمعا في ميراثهن ، وحذف الجار هنا لا يعد لبسا ، بل إجمال ، فكل من الحرفين مراد على سبيل البدل ، واستدل بعض أصحابنا بالآية على جواز تزويج اليتيمة لأنه ذكر الرغبة في نكاحها فاقتضى جوازه ، والشافعية يقولون : إنه إنما ذكر ما كانت تفعله الجاهلية على طريق الذم فلا دلالة فيها على ذلك مع أنه لا يلزم من الرغبة في نكاحها فعله في حال الصغر ، وهذا الخلاف في غير الأب والجدّ ، وأما هما فيجوز لهما تزويج الصغير بلا خلاف (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ) عطف على يتامى النساء ، وكانوا لا يورثونهم كما لا يورثون النساء كما تقدّم آنفا.
(وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) عطف على ما قبله ، وإن جعل في يتامى بدلا ، فالوجه النصب في هذا ، و (الْمُسْتَضْعَفِينَ) عطفا على محل فيهن ومنعوا العطف على البدل ، بناء على أن المراد بالمستضعفين الصغار مطلقا الذين منعوهم عن الميراث ولو ذكورا ، ولو عطف على البدل لكان بدلا ، ولا يصح فيه غير بدل الغلط وهو لا يقع في فصيح الكلام ، وجوز في (أَنْ تَقُومُوا) الرفع على أنه مبتدأ ، والخبر محذوف أي خير ونحوه ، والنصب بإضمار فعل أي ويأمركم ـ أن تقوموا ، وهو خطاب للأئمة أن ينظروا لهم ويستوفوا حقوقهم ، أو للأولياء والأوصياء بالنصفة في حقهم (وَما تَفْعَلُوا) في حقوق المذكورين (مِنْ خَيْرٍ) حسبما أمرتم به أو ما تفعلوه من خير على الإطلاق ويندرج فيه ما يتعلق بهؤلاء اندراجا أوليا.
(فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً) فيجازيكم عليه ، واقتصر على ذكر الخير لأنه الذي رغب فيه ، وفي ذلك إشارة إلى أن الشر مما لا ينبغي أن يقع منهم أو يخطر ببال (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ) شروع في بيان أحكام لم تبين قبل ، وأخرج الترمذي وحسنه عن ابن عباس قال : «خشيت سودة رضي الله تعالى عنها أن يطلقها رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فقالت : يا رسول الله لا تطلقني واجعل يومي لعائشة ففعل» ونزلت هذه الآية ، وأخرج الشافعي رضي الله تعالى عنه عن ابن المسيب أن ابنة محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديج فكره منها أمرا إما كبرا أو غيره ، فأراد طلاقها فقالت : لا تطلقني واقسم لي ما بدا لك فاصطلحا على صلح فجرت السنة بذلك ونزل القرآن ، وأخرج ابن جرير عن مجاهد أنها نزلت في أبي السائب أي وإن خافت امرأة خافت ، فهو من باب الاشتغال ، وزعم الكوفيون أن (امْرَأَةٌ) مبتدأ وما بعده الخبر وليس بالمرضي ، وقدر بعضهم هنا ـ كانت ـ لاطراد حذف كان بعد إن ، ولم يجعله من الاشتغال وهو مخالف للمشهور بين الجمهور ، والخوف إما على حقيقته ، أو بمعنى التوقع أي وإن امرأة توقعت لما ظهر لها من المخايل