(مِنْ بَعْلِها) أي زوجها ، وهو متعلق ـ بخافت ـ أو بمحذوف وقع حالا من قوله تعالى : (نُشُوزاً) أي استعلاء وارتفاعا بنفسه عنها إلى غيرها لسبب من الأسباب ، ويطلق على كل من صفة أحد الزوجين (أَوْ إِعْراضاً) أي انصرافا بوجهه أو ببعض منافعه التي كانت لها منه ، وفي البحر : النشوز أن يتجافى عنها بأن يمنعها نفسه ونفقته والمودة التي بينهما ، وأن يؤذيها بسب أو ضرب مثلا ، والإعراض أن يقلل محادثتها ومؤانستها لطعن في سن ، أو دمامة ، أو شين في خلق ، أو خلق ، أو ملال ، أو طموح عين إلى أخرى ، أو غير ذلك وهو أخف من النشوز (فَلا جُناحَ) أي فلا حرج ولا إثم «عليهما» أي الامرأة وبعلها حينئذ.
(أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً) أي في أن يصلحا بينهما بأن تترك المرأة له يومها كما فعلت سودة رضي الله تعالى عنها مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو تضع عنه بعض ما يجب لها من نفقة ، أو كسوة ، أو تهبه المهر ، أو شيئا منه ، أو تعطيه مالا لتستعطفه بذلك وتستديم المقام في حباله ، وصدر ذلك بنفي الجناح لنفي ما يتوهم من أن ما يؤخذ كالرشوة فلا يحل ، وقرأ غير أهل الكوفة ـ يصالحا ـ بفتح الياء وتشديد الصاد وألف بعدها ، وأصله يتصالحا فأبدلت التاء صادا وأدغمت ، وقرأ الجحدري ـ يصلحا ـ بالفتح والتشديد من غير ألف وأصله يصطلحا فخفف بإبدال الطاء المبدلة من تاء الافتعال صادا وأدغمت الأولى فيها لا أنه أبدلت التاء ابتداء صادا وأدغم ـ كما قال أبو البقاء ـ لأن تاء الافتعال يجب قلبها طاء بعد الأحرف الأربعة.
وقرئ يصطلحا ـ وهو ظاهر ، و (صُلْحاً) على قراءة أهل الكوفة إما مفعول به على معنى يوقعا الصلح ، أو بواسطة حرف أي يصلح ، والمراد به ما يصلح به ، و (بَيْنَهُما) ظرف ذكر تنبيها على أنه ينبغي أن لا يطلع الناس على ما بينهما بل يسترانه عنهم أو حال من (صُلْحاً) أي كائنا بينهما ، وإما مصدر محذوف الزوائد ، أو من قبيل (أَنْبَتَها) الله (نَباتاً) [آل عمران : ٣٧] و (بَيْنَهُما) هو المفعول على أنه اسم بمعنى التباين والتخالف ، أو على التوسع في الظرف لا على تقدير ما بينهما كما قيل ، ويجوز أن يكون (بَيْنَهُما) ظرفا ، والمفعول محذوف أي حالهما ونحوه ، وعلى قراءة غيرهم يجوز أن يكون واقعا موقع تصالحا واصطلاحا ، وأن يكون منصوبا بفعل مترتب على المذكور أي فيصلح حالهما (صُلْحاً) واحتمال هذا في القراءة الأولى بعيد ؛ وجوز أن يكون منصوبا على إسقاط حرف الجر أي يصالحا أو يصلحا بصلح أي بشيء تقع بسببه المصالحة (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) أي من الفرقة وسوء العشرة أو من الخصومة ، فاللام للعهد ، وإثبات الخيرية للمفضل عليه على سبيل الفرض والتقدير أي إن يكن فيه خير فهذا أخير منه وإلا فلا خيرية فيما ذكر ، ويجوز أن لا يراد بخير التفضيل بل يراد به المصدر أو الصفة أي إنه خير من الخيور فاللام للجنس ؛ وقيل : إن اللام على التقديرين تحتمل العهدية والجنسية ، والجملة اعتراضية ، وكذا قوله تعالى : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) ولذلك اغتفر عدم تجانسهما إذ الأولى اسمية ، والثانية فعلية ولا مناسبة معنى بينهما ، وفائدة الأولى الترغيب في المصالحة ، والثانية تمهيد العذر في المماكسة والمشاقة كما قيل ، وحضر متعد لواحد وأحضر لاثنين ، والأول هو (الْأَنْفُسُ) القائم مقام الفاعل ؛ والثاني (الشُّحَ) ، والمراد أحضر الله تعالى (الْأَنْفُسُ الشُّحَ) وهو البخل مع الحرص ، ويجوز أن يكون القائم مقام الفاعل هو الثاني أي إن الشح جعل حاضرا لها لا يغيب عنها أبدا ، أو أنها جعلت حاضرة له مطبوعة عليه فلا تكاد المرأة تسمح بحقوقها من الرجل ولا الرجل يكاد يجود بالإنفاق وحسن المعاشرة مثلا على التي لا يريدها ، وذكر شيخ الإسلام أن في ذلك تحقيقا للصلح وتقريرا له بحث كل من الزوجين عليه لكن لا بالنظر إلى حال نفسه فإن ذلك يستدعي التمادي في الشقاق بل بالنظر إلى حال صاحبه ، فإن شح نفس الرجل وعدم ميلها عن حالتها الجبلية بغير استمالة مما يحمل المرأة على بذل بعض حقوقها إليه لاستمالته ، وكذا شح