تَجْتَنِبُوا) أي تتركوا جانبا (كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ) أي ينهاكم الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم (عَنْهُ) أي عن ارتكابه مما ذكر ومما لم يذكر ، وقرئ ـ كبير ـ على إرادة الجنس فيطابق القراءة المشهورة ، وقيل : يحتمل أن يراد به الشرك (نُكَفِّرْ) أي نغفر ونمحو (١) واختيار ما يدل على العظمة بطريق الالتفات تفخيم لشأن ذلك الغفران ، وقرئ (٢) يغفر ـ بالياء التحتانية (عَنْكُمْ) أيها المجتنبون (سَيِّئاتِكُمْ) أي صغائركم كما قال السدي ، واختلفوا في حد الكبيرة على أقوال : الأول أنها ما لحق صاحبها عليها بخصوصها وعيد شديد بنص كتاب أو سنة ، وإليه ذهب الشافعية ، والثاني أنها كل معصية أوجبت الحد ، وبه قال البغوي وغيره ، والثالث أنها كل ما نص الكتاب على تحريمه أو وجب في جنسه حد ، والرابع أنها كل جريرة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة ، وبه قال الإمام ، والخامس أنها ما أوجب الحد أو توجه إليه الوعيد ، وبه قال الماوردي في فتاويه ، والسادس أنها كل محرم لعينه منهي عنه لمعنى في نفسه ، وحكي ذلك بتفصيل مذكور في محله عن الحليمي ، والسابع أنها كل فعل نص الكتاب على تحريمه بلفظ التحريم ، وقال الواحدي : الصحيح أن الكبيرة ليس لها حد يعرفها العباد به ، وإلا لاقتحم الناس الصغائر واستباحوها ، ولكن الله تعالى أخفى ذلك عن العباد ليجتهدوا فى اجتناب المنهي عنه رجاء أن تجتنب الكبائر ، ونظير ذلك إخفاء الصلاة الوسطى وليلة القدر وساعة الإجابة انتهى.
وقال شيخ الإسلام البارزي : التحقيق أن الكبيرة كل ذنب قرن به وعيد أو حد أو لعن بنص كتاب أو سنة ، أو علم أن مفسدته كمفسدة ما قرن به وعيد أو حد أو لعن أو أكثر من مفسدته ، أو أشعر بتهاون مرتكبه في دينه إشعار أصغر الكبائر المنصوص عليها بذلك كما لو قتل معصوما فظهر أنه مستحق لدمه ، أو وطئ امرأة ظانا أنه زان بها فإذا هي زوجته أو أمته ، وقال بعضهم : كل ما ذكر من الحدود إنما قصدوا به التقريب فقط وإلا فهي ليست بحدود جامعة ، وكيف يمكن ضبط ما لا مطمع في ضبطه ، وذهب جماعة إلى ضبطها بالعد من غير ضبطها بحد ، فعن ابن عباس وغيره أنها ما ذكره الله تعالى من أول هذه السورة إلى هنا ؛ وقيل : هي سبع ، ويستدل له بخبر الصحيحين «اجتنبوا السبع الموبقات الشرك بالله تعالى والسحر وقتل النفس التي حرم الله تعالى إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» ، وفي رواية لهما «الكبائر الإشراك بالله تعالى والسحر وعقوق الوالدين وقتل النفس» زاد البخاري «واليمين الغموس» ومسلم بدلها «وقول الزور» والجواب أن ذلك محمول على أنه صلىاللهعليهوسلم ذكره قصدا لبيان المحتاج منها وقت الذكر لا لحصره الكبائر فيه ـ وممن صرح بأن الكبائر سبع ـ علي كرم الله تعالى وجهه وعطاء وعبيد بن عمير ، وقيل : تسع لما أخرجه علي بن الجعد عن ابن عمر أنه قال حين سئل عن الكبائر : «سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : هن تسع الإشراك بالله تعالى وقذف المحصنة وقتل النفس المؤمنة والفرار من الزحف والسحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين والإلحاد بالبيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا» ونقل عن ابن مسعود أنها ثلاث ؛ وعنه أيضا أنها عشرة ، وقيل : أربع عشرة ، وقيل : خمس عشرة ، وقيل : أربع ، وروى عبد الرزاق عن ابن عباس أنه قيل له : هل الكبائر سبع؟ فقال : هي إلى السبعين أقرب ، وروى ابن جبير أنه قال له : هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع غير أنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار ، وأنكر جماعة من الأئمة أن في الذنوب صغيرة ، وقالوا : بل سائر المعاصي كبائر منهم الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني والقاضي أبو بكر الباقلاني وإمام الحرمين
__________________
(١) قوله : «ونمحو» كذا بخطه بالواو مع أنه تفسير للمجزوم فكان حقه حذف الواو.
(٢) قوله : وقرئ «يغفر» كذا بخطه ، ولفظ القرآن «يكفر» ا ه.