وملكا وتصرفا ، ولا يخرج من ملكوته وقهره ذرة فما دونها ، والجملة دليل الجواب أقيم مقامه لأن مضمونها مقرر قبل كفرهم فلا يصلح للجواب ، والتقدير وإن تكفروا فهو سبحانه قادر على تعذيبكم بكفرهم لأن له جل شأنه ما في السموات والأرض ، أو فهو غني عنكم لا يتضرر بكفركم كما لا ينتفع بإيمانكم ، وقال بعضهم : التقدير «وإن تكفروا» فقد كابرتم عقولكم.
(فَإِنَّ لِلَّهِ) سبحانه ما له مما يدل على ما ينافي حالكم واعتقادكم فكيف يتأتى الكفر به مع ذلك ، وقيل : التقدير (وَإِنْ تَكْفُرُوا) فإن عبيدا غيركم لا يكفرون بل يعبدونه وينقادون لأمره ، ولا يخلو عن بعد.
(وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بأحوال ، كل ويدخل في ذلك كفرهم دخولا أوليا (حَكِيماً) في جميع أفعاله وتدبيراته ، ويدخل في ذلك كذلك تعذيب من كفر (يا أَهْلَ الْكِتابِ) تجريد للخطاب وتخصيص له بالنصارى زجرا لهم عما هم عليه من الضلال البعيد ، وإلى ذلك ذهب أبو علي الجبائي وأبو مسلم وجماعة من المفسرين ، وعن الحسن أنه خطاب لهم ولليهود لأن الغلو أي مجاوزة الحد والإفراط المنهي عنه في قوله تعالى :
(لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) وقع منهم جميعا ، أما النصارى ، فقال بعضهم : عيسى عليهالسلام ابن الله عزوجل ، وبعضهم أنه الله سبحانه ، وآخرون ثالث ثلاثة وأما اليهود فقالوا : إنه عليهالسلام ولد لغير رشده ، ورجح ما عليه الجماعة بأن قول اليهود قد نعى فيما سبق وبأنه أوفق بما بعد (وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) أي لا تذكروا ولا تعتقدوا إلا القول الحق دون القول المتضمن لدعوى الاتحاد والحلول واتخاذ الصاحبة والولد والاستثناء مفرغ ، وهو متصل عند الأكثرين.
وادعى بعض أن المراد من الحق هنا تنزيهه تعالى عن الصاحبة والولد ، والأشبه بالاستثناء الانقطاع لأن التنزيه لا يكون مقولا عليه بل له وفيه لأن معنى قال عليه افترى وهو مخالف لما عليه الأكثر في الاستثناء المفرغ فافهم (إِنَّمَا الْمَسِيحُ) بالتخفيف ، وقد مر معناه ، وقرئ المسيح بكسر الميم وتشديد السين كالسكيت وهو مبتدأ ، وقوله تعالى : (عِيسَى) بدل منه أو عطف بيان له ـ كما قال أبو البقاء وغيره ـ وقوله تعالى :
(ابْنُ مَرْيَمَ) صفة له مفيدة بطلان ما زعموه فيه من نبوته عليهالسلام له عزوجل ، وقوله سبحانه :
(رَسُولُ اللهِ) خبر المبتدأ والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل النهي عن القول الباطل المستلزم للأمر بضده أي أنه عليهالسلام مقصور على رتبة الرسالة لا يتخطاها إلى ما تقولون (وَكَلِمَتُهُ) عطف على (رَسُولُ اللهِ) ومعنى كونه «كلمة» أنه حصل بكلمة كن من غير مادة معتادة ، وإلى ذلك ذهب الحسن وقتادة.
وقال الغزالي قدسسره : لكل مولود سبب قريب وبعيد ، فالأول المني والثاني قول كن ، ولما دل الدليل على عدم القريب في حق عيسى عليهالسلام أضافه إلى البعيد ، وهو قول كن إشارة إلى انتفاء القريب ، وأوضحه بقوله سبحانه : (أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ) أي أوصلها إليها وحصلها فيها ، فجعله كالمني الذي يلقى في الرحم فهو استعارة ، وقيل : معناه أنه يهتدي به كما يهتدي بكلام الله تعالى ، وروي ذلك عن أبي علي الجبائي ، وقيل : معناه بشارة الله تعالى التي بشر بها مريم عليهاالسلام على لسان الملائكة كما قال سبحانه : (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ) [آل عمران : ٤٥] وجملة (أَلْقاها) حال على ما قيل : من الضمير المجرور في (كَلِمَتُهُ) بتقدير قد والعامل فيها معنى الإضافة ، والتقدير ـ وكملته ملقيا إياها ـ وقيل : حال من ضميرهعليهالسلام المستكن فيما دل عليه (وَكَلِمَتُهُ) من معنى المشتق الذي هو العامل فيها ، وقيل : حال من فاعل كان مقدرة مع إذ المتعلقة بالكلمة باعتبار أن المراد بها المكون ، والتقدير إذ كان (أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) عطف على ما قبله وسمي عليهالسلام