وهذا نص في نفي الحلول ومنشأ غلط المحجوبين المنكرين عدم الفهم لكلام هؤلاء السادة نفعنا الله تعالى بهم على وجهه ، وعدم التمييز بين الحلول والتجلي ولم يعلموا أن كون الشيء مجلي لشيء ليس كونه محلا له ، فإن الظاهر في المرآة خارج عن المرآة بذاته قطعا بخلاف الحال في محل فإنه حاصل فيه فالظهور غير الحلول فإن الظهور في المظاهر للواسع القدوس يجامع التنزيه بخلاف الحلول ، نعم وقع في كلامهم التعبير بالحلول ومرادهم به الظهور ، ومن ذلك قوله :
يا قبلتي قابليني بالسجود فقد |
|
رأيت شخصا لشخص فيه قد سجدا |
لاهوته حل ناسوتي فقدسني |
|
إني عجبت لمثلي كيف ما عبدا |
وكان الأولى بحسب الظاهر عدم التعبير بمثل ذلك ولكن للقوم أحوال ومقامات لا تصل إليها أفهامنا ، ولعل عذرهم واضح عند المنصفين ، إذا علمت ذلك وتحققت اختلاف النصارى في عقائدهم ، فاعلم أنه سبحانه إنما حكى في بعض الآيات قول بعض منهم ، وفي بعض آخر قول آخرين ، وحكاية دعواهم ألوهية مريم عليهاالسلام كدعواهم ألوهية عيسى عليهالسلام مما نطق بها القرآن ولم يشع ذلك عنهم صريحا لكن يلزمهم ذلك بناء على ما حققه الإمام الرازي رحمهالله تعالى ، والنصارى اليوم ينكرونه والله تعالى أصدق القائلين ، ويمكن أن يقال : إن مدعي ألوهيتها عليهاالسلام صريحا طائفة منهم هلكت قديما كالطائفة اليهودية التي تقول عزير ابن الله تعالى على ما قيل ، ثم إنه سبحانه بالغ في زجر القائلين فأردف سبحانه النهي بقوله عزّ من قائل : (انْتَهُوا) عن القول بالتثليث (خَيْراً لَكُمْ) قد مر الكلام في أوجه انتصابه (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) أي بالذات منزه عن التعدد بوجه من الوجوه (سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) أي أسبحه تسبيحا عن ، أو من أن يكون له ولد ، أو سبحوه عن ، أو من ذلك لأن الولد يشابه الأب ويكون مثله والله تعالى منزه عن التشبيه والمثل ، وأيضا الولد إنما يطلب ليكون قائما مقام أبيه إذا عدم ولذا كان التناسل والله تعالى باق لا يتطرق ساحته العلية فناء فلا يحتاج إلى ولد ولا حكمة تقتضيه ، وقد علمت ما أوقع النصارى في اعتقادهم أن عيسى عليهالسلام ابن الله تعالى.
ومن الاتفاقات الغريبة ما نقله مولانا راغب باشا رحمهالله تعالى ملخصا من تعريفات أبي البقاء قال : قال الإمام العلامة محمد بن سعيد الشهير بالبوصيري نور الله تعالى ضريحه : إن بعض النصارى انتصر لدينه وانتزع من البسملة الشريفة دليلا على تقوية اعتقاده في المسيح عليهالسلام وصحة يقينه به فقلب حروفها ونكر معروفها وفرق مألوفها وقدّم فيها وأخر وفكر وقدّر. فقتل كيف قدّر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر ، فقال : قد انتظم من البسملة المسيح ابن الله المحرر ، فقلت له : حيث رضيت البسملة بيننا وبينك حكما وحزت منها أحكاما وحكما فلتنصرن البسملة منا الأخيار على الأشرار ، ولتفضلن أصحاب الجنة على أصحاب النار إذ قد قالت لك البسملة بلسان حالها : إنما الله المسيح راحم النحر لأمم لها المسيح رب ، ما برح الله راحم المسلمين ، سل ابن مريم أحل له الحرام ، لا المسيح ابن الله المحرر ، لا مرحم للئام أبناء السحرة رحم حرّ مسلم أناب إلى الله ، لله نبي مسلم حرم الراح ، ربح رأس مال كلمة الإيمان ، فإن قلت : إنه عليهالسلام رسول صدقتك ، وقالت : إيل أرسل الرحمة بلحم ، وإيل من أسماء الله تعالى بلسان كتبهم وترجمة بلحم ببيت لحم ، وهو المكان الذي ولد فيه عيسى عليهالسلام إلى غير ذلك مما يدل على إبطال مذهب النصارى ، ثم انظر إلى البسملة قد تخبر أن من وراء حلها خيولا وليوثا ، ومن دون طلها سيولا وغيوثا ، ولا تحسبني استحسنت كلمتك الباردة فنسجت على منوالها وقابلت الواحدة بعشر أمثالها بل أتيتك بما يغنيك فيبهتك ويسمعك ما يصمك عن الإجابة فيصمتك ، فتعلم أن هذه البسملة مستقر لسائر العلوم والفنون ومستودع لجوهر سرها