أسلم ، وثالثها العهود التي كانت تؤخذ في الجاهلية على النصرة والمؤازرة على من ظلم ، وروي ذلك عن مجاهد ، والربيع وقتادة وغيرهم ؛ ورابعها العهود التي أخذها الله تعالى على أهل الكتاب بالعمل بما في التوراة والإنجيل مما يقتضيه التصديق بالنبي صلىاللهعليهوسلم وبما جاء به ، وروي ذلك عن ابن جريج وأبي صالح ، وعليه فالمراد من (الَّذِينَ آمَنُوا) مؤمنو أهل الكتاب ؛ وهو خلاف الظاهر ، واختار بعض المفسرين أن المراد بها ما يعم جميع ما ألزمه الله تعالى عباده وعقد عليهم من التكاليف والأحكام الدينية ، وما يعقدونه فيما بينهم من عقود الأمانات والمعاملات ونحوهما مما يجب الوفاء به ، أو يحسن دينا ، ويحمل الأمر على مطلق الطلب ندبا أو وجوبا ، ويدخل في ذلك اجتناب المحرمات والمكروهات لأنه أوفق بعموم اللفظ إذ هو جمع محلى باللام وأوفى بعموم الفائدة.
واستظهر الزمخشري كون المراد بها عقود الله تعالى عليهم في دينه من تحليل حلاله وتحريم حرامه لما فيه ـ كما في الكشف ـ من براعة الاستهلال والتفصيل بعد الإجمال ، لكن ذكر فيه أن مختار البعض أولى لحصول الغرضين وزيادة التعميم ، وأن السور الكريمة مشتملة على أمهات التكاليف الدينية في الأصول والفروع. ولو لم يكن إلا (تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) و (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨] لكفى ، وتعقب بما لا يخلو عن نظر.
وزعم بعضهم أن فيه نزع الخف قبل الوصول إلى الماء ، وما استظهره الزمخشري خال عن ذلك. والأمر فيه هين ، وفي القول بالعموم رغب الراغب ـ كما هو الظاهر ـ فقد قال : العقود باعتبار المعقود ، والعاقد ثلاثة أضرب ، عقد بين الله تعالى وبين العبد ، وعقد بين العبد ونفسه ، وعقد بينه وبين غيره من البشر ، وكل واحد باعتبار الموجب له ضربان : ضرب أوجبه العقل وهو ما ركز الله تعالى معرفته في الإنسان فتوصل إليه إما ببديهة العقل ، وإما بأدنى نظر دل عليه قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) [الأعراف : ١٧٢] الآية ، وضرب أوجبه الشرع وهو ما دلنا عليه كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلىاللهعليهوسلم فذلك ستة أضرب ، وكل واحد من ذلك إما أن يلزم ابتداء أو يلزم بالتزام الإنسان إياه ، والثاني أربعة أضرب : فالأول واجب الوفاء كالنذور المتعلقة بالقرب نحو أن يقول : عليّ أن أصوم إن عافاني الله تعالى ، والثاني مستحب الوفاء به ويجوز تركه كمن حلف على ترك فعل مباح فإن له أن يكفر عن يمينه ويفعل ذلك ، والثالث يستحب ترك الوفاء به ، وهو ما قال صلىاللهعليهوسلم : «إذا حلف أحدكم على شيء فرأى غيره خيرا منه فليأت الذي هو خير منه وليكفر عن يمينه» ، والرابع واجب ترك الوفاء به نحو أن يقول : عليّ أن أقتل فلانا المسلم ، فيحصل من ضرب ستة في أربعة أربعة وعشرون ضربا وظاهر الآية يقتضي كل عقد سوى ما كان تركه قربة أو واجبا فافهم ولا تغفل (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) شروع في تفصيل الأحكام التي أمر بإيفائها ، وبدأ سبحانه بذلك لأنه مما يتعلق بضروريات المعاش ، و ـ البهيمة ـ من ذوات الأرواح ما لا عقل له مطلقا ، وإلى ذلك ذهب الزجاج ، وسمي «بهيمة» لعدم تمييزه وإبهام الأمر عليه.
ونقل الإمام الشعراني عن شيخه علي الخواص قدسسره أن سبب تسمية البهائم بهائم ليس إلا لكون أمر كلامها وأحوالها أبهم على غالب الخلق لا أن الأمر أبهم عليها ، وذكر ما يدل على عقلها وعلمها ، وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى.
وقال غير واحد : البهيمة اسم لكل ذي أربع من دواب البر والبحر ، وإضافته إلى الأنعام للبيان كثوب خز أي أحل لكم أكل البهيمة من الأنعام ، وهي الأزواج الثمانية المذكورة في سورتها ، واعترض بأن البهيمة اسم جنس ، والأنعام نوع منه ، فإضافتها إليه كإضافة حيوان إنسان وهي مستقبحة ، وأجيب بأن إضافة العام إلى الخاص إذا صدرت من بليغ وقصد بذكره فائدة فحسنة ـ كمدينة بغداد ـ فإن لفظ بغداد لما كان غير عربي لم يعهد معناه أضيف إليه مدينة لبيان