آية تحريمه لتكون (ما) عبارة عن البهيمة المحرمة لا اللفظ المتلو ، وجوز اعتبار التجوز في الإسناد من غير تقدير وليس بالبعيد ؛ وأما جعله مفرغا من الموجب في موقع الحال أي إلا كائنة على الحالات المتلوة فبعيد ـ كما قال الشهاب ـ جدا ، وذهب بعضهم إلى أنه منقطع بناء على الظاهر لأن المتلو لفظ ، والمستثنى منه ليس من جنسه ؛ والأكثرون على الأول ، ومحل المستثنى النصب وجوز الرفع على ما حقق في النحو (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) حال من الضمير في (لَكُمْ) على ما عليه أكثر المفسرين ، و (الصَّيْدِ) يحتمل المصدر والمفعول ، وقوله تعالى : (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) حال عما استكن في «محل» والحرم جمع حرام وهو المحرم ، ومحصل المعنى أحلت لكم هذه الأشياء لا محلين الاصطياد ، أو أكل الصيد في الإحرام ، وفسر الزمخشري عدم إجلال الصيد في حالة الإحرام بالامتناع عنه وهم محرمون حيث قال : كأنه قيل : أحللنا لكم بعض الأنعام في حالة امتناعكم عن الصيد (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) لئلا يكون عليكم حرج ، ولم يحمل الاحلال على اعتقاد الحل ظنّا منه أن تقييد الإحلال بعدم اعتقاد الحل غير موجه ، وقد يقال : إن الأمر كذلك لو كان المراد مطلق اعتقاد الحل أما لو كان المراد عدم اعتقاد ناشئ من الشرع ومترتب منه فلا لأن حاله إن لم يكن عين حال الامتناع فليس بالأجنبي عنه كما لا يخفى على المتدبر ، وأشار إليه شيخ مشايخنا جرجيس أفندي الاربلي رحمة الله تعالى عليه.
واعترض في البحر على ما ذهب إليه الأكثرون بأنه يلزم منه تقييد إحلال بهيمة الأنعام بحال انتفاء حل الصيد وهم حرم ، وهي قد أحلت لهم مطلقا فلا يظهر له فائدة إلا إذا أريد ببهيمة الأنعام الصيود المشبهة بها كالظباء وبقر الوحش وحمره ، ودفع بأنه مع عدم اطراد اعتبار المفهوم يعلم منه غيره بالطريق الأولى لأنها إذا أحلت في عدم الإحلال لغيرها وهم محرمون لدفع الحرج عنهم ، فكيف في غير هذه الحال؟ فيكون بيانا لإنعام الله تعالى عليهم بما رخص لهم من ذلك وبيانا لأنهم في غنية عن الصيد وانتهاك حرمة الحرم.
وعبارة الزمخشري كالصريحة في ذلك ، ودفعه العلامة الثاني بأن المراد من (الْأَنْعامِ) ما هو أعم من الإنسي والوحشي مجازا أو تغليبا أو دلالة أو كيفما شئت ، وإحلالها على عمومها مختص بحال كونكم غير محلين الصيد في الإحرام إذ معه يحرم البعض وهو الوحش ، ولا يخفى أنه توجيه وحشي لا ينبغي لحمزة ـ غابة التنزيل ـ أن يقصده من مراصد عباراته ، وذهب الأخفش إلى أن انتصاب (غَيْرَ) على الحالية من ضمير (أَوْفُوا) وضعف بأن فيه الفصل من الحال وصاحبها بجملة ليست اعتراضية إذ هي مبينة ، وتخلل بعض أجزاء المبين بين أجزاء المبين مع ما يجب فيه من تخصيص العقود بما هو واجب أو مندوب في الحج ، وإلا فلا يبقى للتقييد بتلك الحال ـ مع أنهم مأمورون بمطلق العقود مطلقا ـ وجه.
وزعم العلامة أنه أقرب من الأول معنى وإن كان أبعد لفظا ، واستدل عليه بما هو على طرف الثمام ، ثم قال : ومنهم من جعله حالا من فاعل أحللنا المدلول عليه بقوله تعالى : (أُحِلَّتْ لَكُمْ) ويستلزم جعل (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) أيضا حالا من مقدر أي حال كوننا غير محلين الصيد في حال إحرامكم وليس ببعيد إلا من جهة انتصاب حالين متداخلين من غير ظهور ذي الحال في اللفظ.
وتعقبه أبو حيان بأنه فاسد لأنهم نصوا على أن الفاعل المحذوف في مثل هذا يصير نسيا منسيا فلا يجوز وقوع الحال منه ، فقد قالوا : لو قلت : أنزل الغيث مجيبا لدعائهم على أن مجيبا حال من فاعل الفعل المبني للمفعول لم يجز لا سيما على مذهب القائلين : بأن المبني للمفعول صيغة أصلية ليست محولة عن المعلوم على أن في التقييد أيضا مقالا ، وجعله بعضهم حالا من الضمير المجرور في (عَلَيْكُمْ) ويرده أن الذي (يُتْلى) لا يتقيد بحال انتفاء