ولا يخفى ما فيه من التكلف ، وشذوذ ترك التأنيث ومثله لا يليق بالنظم الكريم كما لا يخفى ، ثم إن صيغة جمع السلامة هنا للكثرة أما المعرف فظاهر ، وأما المنكر فلأنه حمل عليه فلا بد من مطابقته له في الكثرة وإلا لم يصدق على جميع أفراده ، وقد نص على ذلك في الدر المصون.
وقرأ ابن مسعود ـ فالصوالح قوانت حوافظ للغيب بما حفظ الله فأصلحوا إليهن ، وأخرج ابن جرير عنه زيادة ـ فأصلحوا إليهن ـ فقط (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ) أي ترفعهن عن مطاوعتكم وعصيانهن لكم ، من النشز ـ بسكون الشين وفتحها ـ وهو المكان المرتفع ويكون بمعنى الارتفاع (فَعِظُوهُنَ) أي فانصحوهن وقولوا لهن اتقين الله وارجعن عما أنتن عليه ، وظاهر الآية ترتب هذا على خوف النشوز وإن لم يقع وإلا لقيل نشزن ، ولعله غير مراد ولذا فسر في التيسير (تَخافُونَ) بتعلمون ، وبه قال الفراء ـ كما نقله عنه الطبرسي ـ وجاء الخوف بهذا كما في القاموس ، وقيل : المراد (تَخافُونَ) دوام نشوزهن أو أقصى مراتبه كالفرار منهم في المراقد.
واختار في البحر أن في الكلام مقدرا وأصله واللاتي تخافون نشوزهن ونشزن فعظوهن ، وهو خطاب للأزواج وإرشاد لهم إلى طريق القيام عليهن (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ) أي مواضع الاضطجاع ، والمراد اتركوهن منفردات في مضاجعهن فلا تدخلوهن تحت اللحف ولا تباشروهن فيكون الكلام كناية عن ترك جماعهن ، وإلى ذلك ذهب ابن جبير ، وقيل : المراد اهجروهن في الفراش بأن تولوهن ظهوركم فيه ولا تلتفوا إليهن ، وروي ذلك عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه ولعله كناية أيضا عن ترك الجماع ، وقيل : المضاجع المبايت أي اهجروا حجرهن ومحل مبيتهن ، وقيل : (فِي) للسببية أي اهجروهن بسبب المضاجع أي بسبب تخلفهن عن المضاجعة ، وإليه يشير كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيما أخرجه عنه ابن أبي شيبة من طريق أبي الضحى ، فالهجران على هذا بالمنطق ، قال عكرمة : بأن يغلظ لها القول ، وزعم بعضهم أن المعنى أكرهوهن على الجماع واربطوهن من هجر البعير إذا شده بالهجار ، وتعقبه الزمخشري بأنه من تفسير الثقلاء ، وقال ابن المنير : لعل هذا المفسر يتأيد بقوله تعالى : (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ) فإنه يدل على تقدم إكراه في أمر ما ، وقرينة المضاجع ترشد إلى أنه الجماع ، فإطلاق الزمخشري لها أطلقه في حق هذا المفسر من الإفراط انتهى ، وأظن أن هذا لو عرض على الزمخشري لنظم قائله في سلك ذلك المفسر ، ولعد تركه من التفريط ؛ وقرئ في المضطجع والمضجع (وَاضْرِبُوهُنَ) يعني ضربا غير مبرح ـ كما أخرجه ابن جرير عن حجاج عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ وفسر غير المبرح بأن لا يقطع لحما ولا يكسر عظما.
وعن ابن عباس أنه الضرب بالسواك ونحوه ، والذي يدل عليه السياق والقرينة العقلية أن هذه الأمور الثلاثة مترتبة فإذا خيف نشوز المرأة تنصح ، ثم تهجر ، ثم تضرب إذ لو عكس استغني بالأشد عن الأضعف ، وإلا فالواو لا تدل على الترتيب وكذا الفاء في (فَعِظُوهُنَ) لا دلالة لها على أكثر من ترتيب المجموع ، فالقول بأنها أظهر الأدلة على الترتيب ليس بظاهر ، وفي الكشف الترتيب مستفاد من دخول الواو على أجزئة مختلفة في الشدة والضعف مترتبة على أمر مدرج ، فإنما النص هو الدال على الترتيب.
هذا وقد نص بعض أصحابنا أن للزوج أن يضرب المرأة على أربع خصال وما هو في معنى الأربع ترك الزينة ، والزوج يريدها ، وترك الإجابة إذا دعاها إلى فراشه ، وترك الصلاة في رواية والغسل ، والخروج من البيت إلا لعذر شرعي ، وقيل : له أن يضربها متى أغضبته ، فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنه كنت رابعة أربع نسوة عند الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه فإذا غضب على واحدة منا ضربها بعود المشجب حتى يكسره عليها ، ولا يخفى أن تحمل أذى النساء والصبر عليهن أفضل من ضربهن إلا لداع قوي ، فقد أخرج ابن سعد ، والبيهقي عن أم كلثوم بنت الصديق