مثل هذا التركيب أن سيبويه والخليل يشترطان في دخول الفاء الخبر كون المبتدأ موصولا بما يقبل مباشرة أداة الشرط ، وغيرهما لا يشترط ذلك ، والظاهر أن سبب هذا عدم الوقوف على المقصود فليحفظ ، والسرقة أخذ مال الغير خفية ، وإنما توجب القطع إذا كان الأخذ من حرز ، والمأخوذ يساوي عشرة دراهم فما فوقها ، مع شروط تكفلت ببيانها الفروع ، ومذهب الشافعي والأوزاعي وأبي ثور والإمامية رضي الله تعالى عنهم أن القطع فيما يساوي ربع دينار فصاعدا ، وقال بعضهم : لا تقطع الخمس إلا بخمسة دراهم ، واختاره أبو علي الجبائي ، قيل : يجب القطع في القليل والكثير ـ وإليه ذهب الخوارج ـ والمراد بالأيدي الأيمان ـ كما روي عن ابن عباس والحسن والسدي وعامة التابعين رضوان الله عليهم أجمعين ـ ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ـ أيمانهما ـ ولذلك ساغ وضع الجمع موضع المثنى كما في قوله : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) [التحريم : ٤] اكتفاء بتثنية المضاف إليه كذا قالوا ، قال الزجاج : وحقيقة هذا الباب أن ما كان في الشيء منه واحد لم يثن ، ولفظ به على الجمع لأن الإضافة تبينه ، فإذا قلت : أشبعت بطونهما علم أن للاثنين بطنين فقط.
وفرع الطيبي عليه عدم استقامة تشبيه ما في الآية هنا بما في الآية الأخرى لأن لكل من السارق يدين فيجوز الجمع ، وأن تقطع الأيدي كلها من حيث ظاهر اللغة ، وكذا قال أبو حيان ، وفيه نظر لأن الدليل قد دل على أن المراد من اليد يد مخصوصة وهي اليمين فجرت مجرى القلب والظهر ؛ واليد اسم لتمام العضو ، ولذلك ذهب الخوارج إلى أن المقطع هو المنكب ، والإمامية على أنه يقطع من أصول الأصابع ويترك له الإبهام والكف ، ورووه عن علي كرم الله تعالى وجهه ، واستدلوا عليه أيضا بقوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) [البقرة : ٧٩] إذ لا شك في أنهم إنما يكتبونه بالأصابع ، وأنت تعلم أن هذا لا يتم به الاستدلال على ذلك المدعى ، وحال روايتهم أظهر من أن تخفى ، والجمهور على أن المقطع هو الرسغ ، فقد أخرج البغوي وأبو نعيم في معرفة الصحابة من حديث الحارث بن أبي عبد الله بن أبي ربيعة «أنه عليه الصلاة والسلام أتي بسارق فأمر بقطع يمينه منه» والمخاطب بقوله سبحانه : (فَاقْطَعُوا) على ما في البحر الرسولصلىاللهعليهوسلم ، أو ولاة الأمور كالسلطان ، ومن أذن له في إقامة الحدود ، أو القضاة والحكام ، أو المؤمنون أقوال أربعة ، ولم تدرج السارقة في السارق تغليبا كما هو المعروف في أمثاله لمزيد الاعتناء بالبيان والمبالغة في الزجر (جَزاءً) نصب على أنه مفعول له أي فاقطعوا للجزاء ، أو على أنه مصدر ـ لاقطعوا ـ من معناه ، أو لفعل مقدر من لفظه ، وجوز أن يكون حالا من فاعل ـ اقطعوا ـ مجازين لهما (بِما كَسَبا) بسبب كسبهما ، أو ما كسباه من السرقة التي تباشر بالأيدي وقوله تعالى : (نَكالاً) مفعول له أيضا ـ كما قال أكثر المعربين ـ وقال السمين : منصوب كما نصب (جَزاءً) ، واعترض الوجه الأول بأنه ليس بجيد لأن المفعول له لا يتعدد بدون عطف واتباع لأنه على معنى اللام ، فيكون كتعلق حرفي جر بمعنى بعامل واحد وهو ممنوع ، ودفع بأن النكال نوع من الجزاء فهو بدل منه ، وقال الحلبي وبعض المحققين : إنه إنما ترك العطف إشعارا بأن القطع للجزاء والجزاء للنكال والمنع عن المعاودة ، وعليه يكون مفعولا له متداخلا كالحال المتداخلة ، وبه أيضا يندفع الاعتراض وهو حسن ، وقال عصام الملة : إنما لم يعطف لأن العلة مجموعهما ـ كما في هذا خلو حامض ـ والجزاء إشارة إلى أن فيه حق العبد ، والنكال إشارة إلى أن فيه حق الله تعالى ، ولا يخفى ما فيه فتأمل ، ونقل عن بعض النحاة أنه أجاز تعدد المفعول له بلا أتباع وحينئذ لا يرد السؤال رأسا ، وقوله تعالى : (مِنَ اللهِ) متعلق بمحذوف وقع صفة لنكالا أي نكالا كائنا منه تعالى (وَاللهُ عَزِيزٌ) في شرع الردع (حَكِيمٌ) في إيجاب القطع ، أو (عَزِيزٌ) في انتقامه من السارق وغيره من أهل المعاصي (حَكِيمٌ) في فرائضه وحدوده ، والإظهار في مقام الإضمار لما مر غير مرة.