(وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي ومن يتخذهم أولياء ، وأوثر الإظهار على الإضمار رعاية لما مر من نكتة بيان أصالته تعالى في الولاية كما ينبئ عنه قوله تعالى : (فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) حيث أضيف الحزب ـ أي الطائفة والجماعة مطلقا ، أو الجماعة التي فيها شدة ـ إليه تعالى خاصة ؛ وفي هذا ـ على رأي وضع الظاهر موضع الضمير أيضا العائد إلى (مَنْ) أي فإنهم الغالبون لكنهم جعلوا حزب الله تعالى ـ تعظيما لهم وإثباتا لغلبتهم بالطريق البرهاني كأنه قيل : ومن يتول هؤلاء فإنهم حزب الله تعالى وحزب الله تعالى هم الغالبون.
والجملة دليل الجواب عند كثير من المعربين (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً) أخرج ابن إسحاق وجماعة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : كان رفاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ونافقا ، وكان رجال من المسلمين يوادّونهما فأنزل الله تعالى هذه الآية ، ورتب سبحانه النهي على وصف يعمهما وغيرهما تعميما للحكم وتنبيها على العلة وإيذانا بأن من هذا شأنه جدير بالمعاداة فكيف بالموالاة ، والهزؤ ـ كما في الصحاح ـ السخرية ، تقول : هزئت منه ، وهزئت به ـ عن الأخفش ـ واستهزأت به وتهزأت ، وهزأت به أيضا هزؤا ومهزأة ـ عن أبي زيد ـ ورجل هزأة بالتسكين أي يهزأ به ، وهزأة بالتحريك يهزأ بالناس ، وذكر الزجاج أنه يجوز في (هُزُواً) أربعة أوجه : الأول ـ «هزؤ» ـ بضم الزاي مع الهمزة وهو الأصل والأجود ، والثاني ـ «هزو» ـ بضم الزاي مع إبدال الهمزة واوا لانضمام ما قبلها ، والثالث ـ «هزأ» ـ بإسكان الزاي مع الهمزة ، والرابع ـ هزى ـ كهدى ، ويجوز القراءة بما عدا الأخير ، و ـ اللعب ـ بفتح أوله وكسر ثانيه كاللعب ، واللعب بفتح اللام وكسرها مع سكون العين ، والتلعاب مصدر لعب كسمع ، وهو ضد الجد كما في القاموس ، وفي مجمع البيان : هو الأخذ على غير طريق الجد ، ومثله العبث ، وأصله من لعاب الصبي يقال : لعب كسمع ، ومنع إذا سال لعابه وخرج إلى غير جهة ، والمصدران : إما بمعنى اسم المفعول ، أو الكلام على حذف مضاف أو قصد المبالغة ، وقوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) في موضع الحال من (الَّذِينَ) قبله ، أو من فاعل ـ اتخذوا ـ والتعرض لعنوان إيتاء الكتاب لبيان كمال شناعتهم وغاية ضلالتهم لما أن إيتاء الكتاب وازع لهم عن اتخاذ دين المؤمنين المصدقين بكتابهم (هُزُواً وَلَعِباً وَالْكُفَّارَ) أي المشركين ، وقد ورد بهذا المعنى في مواضع من القرآن وخصوا به لتضاعف كفرهم ، وهو عطف على الموصول الأول ، وعليه لا تصريح باستهزائهم هنا ، وإن أثبت لهم في آية (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [الحجر : ٩٥] إذ المراد بهم مشركو العرب ، ولا يكون النهي حينئذ بالنظر إليهم معللا بالاستهزاء بل نهوا عن موالاتهم ابتداء ، وقرأ الكسائي وأهل البصرة (وَالْكُفَّارَ) بالجر عطفا على الموصول الأخير ، ويعضد ذلك قراءة أبيّ ـ ومن الكفار ـ وقراءة عبد الله «ومن الذين أشركوا» فهم أيضا من جملة المستهزئين صريحا ، وقوله تعالى : (أَوْلِياءَ) مفعول ثاني ـ للا تتخذوا ـ والمراد جانبوهم كل المجانبة (وَاتَّقُوا (١) اللهَ) في ذلك بترك موالاتهم ، أو بترك المناهي على الإطلاق فيدخل فيه ترك موالاتهم دخولا أوليا (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) حقا فإن قضية الإيمان توجب الاتقاء لا محالة (وَإِذا نادَيْتُمْ) أي دعا بعضكم بعضا (إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها) أي الصلاة ، أو المناداة إليها (هُزُواً وَلَعِباً).
أخرج البيهقي في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : كان منادي رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا نادى بالصلاة فقام المسلمون إليها قالت اليهود : قد قاموا لا قاموا ، فإذا رأوهم ركعا وسجدا استهزءوا بهم وضحكوا منهم ، وأخرج ابن جرير وغيره عن السدي قال : كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي ـ أشهد أن محمدا رسول الله ـ قال : حرق الكاذب ، فدخلت خادمه ذات ليلة بنار وهو نائم وأهله نيام فسقطت شرارة فأحرقت البيت وأحرق هو وأهله ، والكلام مسوق لبيان استهزائهم بحكم خاص من أحكام الدين بعد