إما من (الَّذِينَ) أي مقارنيهم حال كونهم (مِنَ النَّبِيِّينَ) وإما من ضميره والتعرض لمعية الأنبياء دون نبيناصلىاللهعليهوسلم خاصة مع أن الكلام في بيان حكم طاعته عليه الصلاة والسلام لجريان ذكرهم في سبب النزول مع الإشارة إلى أن طاعته متضمنة لطاعتهم ، أخرج الطبراني وأبو نعيم والضياء المقدسي وحسنه قال : «جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله إنك لأحب إليّ من نفسي وإنك لأحب إليّ من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه النبي صلىاللهعليهوسلم شيئا حتى نزل جبريل بهذه الآية (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ) ، إلخ ، وروي مثله عن ابن عباس.
وقال الكلبي : إن ثوبان مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان شديد الحب له عليه الصلاة والسلام قليل الصبر عنه ، وقد نحل جسمه وتغير لونه خوف عدم رؤيته صلىاللهعليهوسلم بعد الموت فذكر ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وعن مسروق «إن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قالوا : ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا فإنك إذا فارقتنا رفعت فوقنا فنزلت» وبدأ بذكر النبيين لعلو درجتهم وارتفاعهم على من عداهم ، وقد نقل الشعراني عن مولانا الشيخ الأكبر قدسسره أنه قال : «فتح لي قدر خرم إبرة من مقام النبوة تجليا لا دخولا فكدت أحترق» ثم عطف عليهم على سبيل التدلي قوله سبحانه :
(وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) فالمنازل أربعة بعضها دون بعض : الأول منازل الأنبياء وهم الذين تمدهم قوة إلهية وتصحبهم نفس في أعلى مراتب القدسية ، ومثلهم كمن يرى الشيء عيانا من قريب ، ولذلك قال تعالى في صفة نبينا صلىاللهعليهوسلم : (أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى) [النجم : ١٢] ، والثاني منازل الصديقين وهم الذين يتأخرون على الأنبياء عليهمالسلام في المعرفة ، ومثلهم كمن يرى الشيء عيانا من بعيد ، وإياه عنى علي كرم الله تعالى وجهه حيث قيل له : هل رأيت الله تعالى؟ فقال : ما كنت لأعبد ربا لم أره ، ثم قال : لم تره العيون بشواهد العيان ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ، والثالث منازل الشهداء وهم الذين يعرفون الشيء بالبراهين ، ومثلهم كمن يرى الشيء في المرآة من مكان قريب كحال من قال : كأني انظر إلى عرش ربي بارزا ، وإياه قصد النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : «اعبد الله تعالى كأنك تراه» ، والرابع منازل الصالحين وهم الذين يعلمون الشيء بالتقليد الجازم ، ومثلهم كمن يرى الشيء من بعيد في مرآة وإياه قصد النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : «فإن لم تكن تراه فإنه يراك» قاله الراغب ونقله الطيبي وغيره ، ونقل بعض تلامذة مولانا الشيخ خالد النقشبندي قدسسره عنه «أنه قرر يوما أن مراتب الكمل أربعة : نبوة وقطب مدارها نبينا صلىاللهعليهوسلم ، ثم صديقية وقطب مدارها أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، ثم شهادة وقطب مدارها عمر الفاروق رضي الله تعالى عنه ، ثم ولاية وقطب مدارها علي كرم الله تعالى وجهه ، وأن الصلاح في الآية إشارة إلى الولاية فسأله بعض الحاضرين عن عثمان رضي الله تعالى عنه في أي مرتبة هو من مراتب الثلاثة بعد النبوة فقال : إنه رضي الله تعالى عنه قد نال حظا من رتبة الشهادة ، وحظا من رتبة الولاية ، وأن معنى كونه ذا النورين هو ذلك عند العارفين انتهى.
وأنا مستعينا بالله تعالى ، ومستمدا من القوم قدس الله تعالى أسرارهم أقول : إن الولاية هي المحيطة العامة والفلك الدائر والدائرة الكبرى ، وأن الولي من كان على بينة من ربه في حاله فعرف ما له بإخبار الحق إياه على الوجه الذي يقع به التصديق عنده ويصدق على أصناف كثيرة إلا أن المذكور منها في هذه الآية أربعة : الصنف الأول الأنبياء ، والمراد بهم هنا الرسل أهل الشرع سواء بعثوا أو لم يبعثوا أعني بطريق الوجوب عليهم ولا بحث لأهل الله تعالى عن مقاماتهم وأحوالهم إذ لا ذوق لهم فيها وكلهم معترفون بذلك غير أنهم يقولون : إن النبوة عامة وخاصة والتي لا ذوق لهم فيها هي الخاصة أعني نبوة التشريع وهي مقام خاص في الولاية.
وأما النبوة العامة فهي مستمرة سارية في أكابر الرجال غير منقطعة دنيا وأخرى لكن باب الإطلاق قد انسد ،