لا لبس فيه ولا شك نفي بعض أنواع الاختلال ، وعلى ذلك ما روي عن عثمان بن عفان من أنه قال : أي غير مضطرب ولا متناقض وما قيل أي غير ذي لحن. وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : غير ذي عوج غير مخلوق ولعله إن صح الخبر تفسير باللازم فتأمل. (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) علة أخرى مترتبة على الأولى.
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ) إيراد لمثل من الأمثال القرآنية بعد بيان أن الحكمة في ضربها هو التذكر والاتعاظ بها وتحصيل التقوى ، والمراد بضرب المثل هاهنا تطبيق حالة عجيبة بأخرى مثلها وجعلها مثلها ، و (مَثَلاً) مفعول ثان لضرب و (رَجُلاً) مفعوله الأول أخر عن الثاني للتشويق إليه وليتصل به ما هو من تتمته التي هي العمدة في التمثيل أو (مَثَلاً) مفعول ضرب و (رَجُلاً) إلخ بدل منه بدل كل من كل.
وقال الكسائي : انتصب (رَجُلاً) على إسقاط الخافض أي مثلا في رجل وقيل غير ذلك وقد تقدم الكلام في نظيره.
و (فِيهِ) خبر مقدم و (شُرَكاءُ) مبتدأ و (مُتَشاكِسُونَ) صفته والنكرة وإن وصفت يحسن تقديم خبرها. والجملة صفة (رَجُلاً) والرابط الهاء أو الجار والمجرور في موضع الصفة له و (شُرَكاءُ) مرتفع به على الفاعلية لاعتماده على الموصوف ، وقيل (فِيهِ) صلة شركاء وهو مبتدأ خبره متشاكسون ، وفيه أنه ليس لتقديمه نكتة ظاهرة.
والمعنى ضرب الله تعالى مثلا للمشرك حسبما يقود إليه مذهبه من ادعاء كل من معبودية عبوديته عبدا يتشارك فيه جماعة متشاجرون لشكاسة أخلاقهم وسوء طبائعهم يتجاذبونه ويتعاورونه في مهماتهم المتباينة في تحيره وتوزع قلبه (وَرَجُلاً) أي وضرب للموحد مثلا رجلا (سَلَماً) أي خالصا (لِرَجُلٍ) فرد ليس لغيره سبيل إليه أصلا فهو في راحة عن التحير وتوزع القلب وضرب الرجل مثلا لأنه أفطن لما شقي به أو سعد فإن الصبي والمرأة قد يغفلان عن ذلك.
وقرأ عبد الله وابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة والزهري والحسن بخلاف عنه والجحدري وابن كثير وأبو عمرو «سالما» اسم فاعل من سلم أي خالصا له من الشركة. وقرأ ابن جبير «سلما» بكسر السين وسكون اللام ، وقرئ «سلما» بفتح فسكون وهما مصدران وصف بهما مبالغة في الخلوص من الشركة.
وقرئ «ورجل سالم» برفعهما أي وهناك رجل سالم ، وجوز أن لا يقدر شيء ويكون رجل مبتدأ وسالم خبره لأنه موضع تفصيل إذ قد تقدم ما يدل عليه فيكون كقول امرئ القيس :
إذا ما بكى من خلفها انحرفت له |
|
بشق وشق عندنا لم يحول |
وقوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) انكار واستبعاد لاستوائهما ونفي له على أبلغ وجه وآكده وإيذان بأن ذلك من الجلاء والظهور بحيث لا يقدر أحد أن يتفوه باستوائهما أو يتلعثم في الحكم بتباينهما ضرورة أن أحدهما في لوم وعناء والآخر في راحة بال ورضاء ، وقيل ضرورة أن أحدهما في أعلى عليين والآخر في أسفل سافلين ، وأيا ما كان فالسر في إبهام الفاضل والمفضول الإشارة إلى كمال الظهور عند من له أدنى شعور.
وانتصاب (مَثَلاً) على التمييز المحول عن الفاعل إذ التقدير هل يستوي مثلهما وحالهما ، والاقتصار في التمييز على الواحد لبيان الجنس والاقتصار عليه أولا في قوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) وقرئ «مثلين» أي هل يستوي مثلاهما وحالاهما ، وثني مع أن المقصود من التمييز حاصل بالإفراد من غير لبس لقصد الإشعار بمعنى زائد وهو اختلاف النوع ، وجوز أن يكون ضمير يستويان للمثلين لأن التقدير فيما سبق مثل رجل ومثل رجل أي هل يستوي المثلان مثلين وهو على نحو كفى بهما رجلين وهو من باب ـ لله تعالى دره فارسا ـ ويرجع ذلك إلى هل يستويان