والاهتزاز دلالة على مكانه ورجح اعتبار التمثيل. وقرئ «ربأت» أي زادت ، وقال الزجاج : معنى ربت عظمت وربأت بالهمز ارتفعت ومنه الربيئة وهي طليعة على الموضع المرتفع (إِنَّ الَّذِي أَحْياها) بما ذكر بعد موتها (لَمُحْيِ الْمَوْتى) بالبعث (إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من الأشياء التي من جملتها الأحياء (قَدِيرٌ) مبالغة في القدرة.
(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا) ينحرفون في تأويل آيات القرآن عن جهة الصحة والاستقامة فيحملونها على المحامل الباطلة ، وهو مراد ابن عباس بقوله : يضعون الكلام في غير موضعه ، وأصله من ألحد إذا مال عن الاستقامة فحفر في شق ويقال لحد. وقرئ «يلحدون» و «يلحدون» باللغتين ، وقال قتادة : هنا الإلحاد التكذيب ، وقال مجاهد : المكاء والصفير واللغو فالمعنى يميلون عما ينبغي ويليق في شأن آياتنا فيكذبون القرآن أو فيلغون ويصفرون عند قراءته ، وجوز أن يراد بالآيات ما يشمل جميع الكتب المنزلة وبالإلحاد ما يشمل تغيير اللفظ وتبديله لكن ذلك بالنسبة إلى غير القرآن لأنه لم يقع فيه كما وقع في غيره من الكتب على ما هو الشائع. وعن أبي مالك تفسير الآيات بالأدلة فالإلحاد في شأنها الطعن في دلالتها والاعراض عنها ، وهذا أوفق بقوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) إلخ ، وما تقدم أوفق بقوله سبحانه : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) [فصلت : ٢٦] وبما بعد ، والآية على تفسير مجاهد أوفق وأوفق.
والمراد بقوله تعالى : (لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) مجازاتهم على الإلحاد فالآية وعيد لهم وتهديد ، وقوله تعالى : (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ) تنبيه على كيفية الجزاء ، وكان الظاهر أن يقابل الإلقاء في النار بدخول الجنة لكنه عدل عنه إلى ما في النظم الجليل اعتناء بشأن المؤمنين لأن الأمن من العذاب أعم وأهم ولذا عبر في الأول بالإلقاء الدال على القسر والقهر وفيه بالإتيان الدال على أنه بالاختيار والرضا مع الأمن ودخول الجنة لا ينفي أن يبدل حالهم من بعد خوفهم أمنا ، وجوز أن تكون الآية من الاحتباك بتقدير من يأتي خائفا ويلقى في النار ومن يأتي آمنا ويدخل الجنة فحذف من الأول مقابل الثاني ومن الثاني مقابل الأول وفيه بعد. والآية كما قال ابن بحر عامة في كل كافر ومؤمن.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ) أبو جهل (أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً) أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، وأخرج عبد الرزاق وغيره عن بشير بن تميم من يلقى في النار أبو جهل ومن يأتي آمنا عمار ، والآية نزلت فيهما ، وقال مقاتل : نزلت في أبي جهل وعثمان بن عفان ، وقيل : فيه وفي عمر ، وقيل : فيه وفي حمزة ، وقال الكلبي : فيه وفي الرسول صلىاللهعليهوسلم (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) تهديد شديد للكفرة الملحدين الذين يلقون في النار وليس المقصود حقيقة الأمر (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فيجازيكم بحسب أعمالكم.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ) وهو القرآن (لَمَّا جاءَهُمْ) من غير أن يمضي عليهم زمان يتأملون فيه ويتكفرون (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) لا يوجد نظيره أو منيع لا تتأتى معارضته ، وأصل العز حالة مانعة للإنسان عن أن يغلب ، وإطلاقه على عدم النظير مجاز مشهور وكذا كونه منيعا ، وقيل : غالب للكتب لنسخه إياها. وعن ابن عباس أي كريم على الله تعالى ؛ والجملة حالية مفيدة لغاية شناعة الكفر به ، وقوله تعالى : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) صفة أخرى لكتاب ، وما بين يديه وما خلفه كناية عن جميع الجهات كالصباح والمساء كناية عن الزمان كله أي لا يتطرق إليه الباطل من جميع جهاته ، وفيه تمثيل لتشبيهه بشخص حمي من جميع جهاته فلا يمكن أعداءه الوصول إليه لأنه في حصن حصين من حماية الحق المبين ، وجوز أن يكون المعنى لا يأتيه الباطل من جهة ما أخبر به من الأخبار الماضية والأمور الآتية.