النضخ فوران الماء ، وفي الكشاف وغيره النضج أكثر من النضخ بالحاء المهملة لأنه مثل الرش وهو عند من فضل الجنتين الأوليين دون الجري ، فالمدح به دون المدح به ، وعليه قول البراء بن عازب فيما أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم العينان اللتان تجريان خير من النضاختين ، ومن ذهب إلى تفضيل هاتين يقول في الفوران جري مع زيادة حسن فإن الماء إذا فار وارتفع وقع متناثر القطرات كحبات اللؤلؤ المتناثرة كما يشاهد في الفوارات المعروفة ، أو يقول بما أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن أنس (نَضَّاخَتانِ) بالمسك والعنبر تنضخان على دور الجنة كما ينضخ المطر على دور أهل الدنيا ، أو بما أخرجه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن مجاهد (نَضَّاخَتانِ) بالخير ، ولفظ ابن أبي شيبة بكل خير.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ* فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) عطف الأخيرين على الفاكهة عطف جبريل وميكال عليهماالسلام على الملائكة بيانا لفضلهما ، وقيل : إنهما في الدنيا لما لم يخلصا للتفكه فإن النخل ثمره فاكهة وطعام ، والرمان فاكهة ودواء عدا جنسا آخر فعطفا على الفاكهة وإن كان كل ما في الجنة للتفكه لأنه تلذذ خالص ، ومنه قال الإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه : إذا حلف لا يأكل فاكهة فأكل رمانا أو رطبا لم يحنث ، وخالفه صاحباه ثم إن نخل الجنة ورمانها وراء ما نعرفه.
أخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة وهناد وابن أبي الدنيا وابن المنذر والحاكم وصححه وآخرون عن ابن عباس نخل الجنة جذوعها زمرد أخضر وكرانيفها ذهب أحمر وسعفها كسوة أهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وثمرها أمثال القلال أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد وليس له عجم وحكمه حكم المرفوع. وفي حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا أصوله فضة وجذوعه فضة وسعفه حلل وحمله الرطب إلخ.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعا قال عليه الصلاة والسلام : «نظرت إلى الجنة فإذا الرمانة من رمانها كمثل البعير المقتب» وهذا المدح بحسب الظاهر دون المدح في قوله تعالى في الجنتين السابقتين : (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) [الرحمن : ٥٢] ومن ذهب إلى تفضيلهما يقول إن التنوين في فاكهة للتعميم بقرينة المقام نظير ما قيل في قوله تعالى : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) [التكوير : ١٤] فيكون في قوة فيها كل (فاكِهَةٌ) ويزيد ما في النظم الجليل على ما ذكر بتضمنه الإشارة إلى مدح بعض أنواعها ، وقال الإمام الرازي : إن (ما) هنا كقوله تعالى : (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) وذلك لأن الفاكهة أنواع أرضية وشجرية كالبطيخ وغيره من الأرضيات المزروعات والنخل وغيرها من الشجريات فقال تعالى : (مُدْهامَّتان) لأنواع الخضر التي فيها الفواكه الأرضية ، وفيها أيضا الفواكه الشجرية وذكر سبحانه منها نوعين : الرطب والرمان لأنهما متقابلان أحدهما حلو والآخر فيه حامض ، وأحدهما حار والآخر بارد ، وأحدهما فاكهة وغذاء والآخر فاكهة ، وأحدهما من فواكه البلاد الحارة والآخر من فواكه البلاد الباردة ، وأحدهما أشجاره تكون في غاية الطول والآخر ليس كذلك ، وأحدهما ما يؤكل منه بارز وما لا يؤكل كامن والآخر بالعكس فهما كالضدين ، والإشارة إلى الطرفين تتناول الاشارة إلى ما بينهما كما في قوله تعالى : (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَ (١) رَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) [الرحمن : ١٧] انتهى ، ولعل الأول أولى (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) وقوله تعالى : (فِيهِنَّ خَيْراتٌ) صفة أخرى لجنتان ، أو خبر بعد خبر للمبتدإ المحذوف كالجملة التي قبلها ، ويجوز أن تكون مستأنفة والكلام في ضمير الجمع هنا كالكلام فيه في قوله تعالى : (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ) [الرحمن : ٥٦] و (خَيْراتٌ) قال أبو حيان : جمع خيرة وصف بني على فعلة من الخير كما بنوا من الشر فقالوا شرة ، وقال الزمخشري : أصله «خيّرات» بالتشديد فخفف كقوله عليه الصلاة والسلام : «هينون لينون» وليس جمع خير بمعنى أخير