حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧) أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ (٧٠) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (٧٣) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤) فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (٧٩) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٨٠)
(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) خبر مبتدأ محذوف أي هم ثلة ، أو خبر ثان لهم المقدر مبتدأ مع (فِي سِدْرٍ) أو (لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) في قوله تعالى : (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) أو مبتدأ خبره محذوف أي منهم ، أو مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله احتمالات اعترض الأخير منها بأن المعنى عليه غير ظاهر ولا طلاوة فيه ، وجعل اللام بمعنى من كما في قوله :
ونحن لكم يوم القيامة أفضل
لا يخفى حاله ـ والأولون والآخرون ـ المتقدمون والمتأخرون إما من الأمم وهذه الأمة ، أو من هذه الأمة فقط على ما سمعت فيما تقدم ، هذا ولم يقل سبحانه في حق أصحاب اليمين ـ جزاء بما كانوا يعملون ـ كما قاله عزوجل في حق السابقين رمزا إلى أن الفضل في حقهم متمحض كأن عملهم لقصوره عن عمل السابقين لم يعتبر اعتباره. ثم الظاهر أن ما ذكر من حال أصحاب اليمين هو حالهم الذي ينتهون إليه فلا ينافي أن يكون منهم من يعذب لمعاص فعلها ومات غير تائب عنها ثم يدخل الجنة. ولا يمكن أن يقال : إن المؤمن العاصي من أصحاب الشمال لأن صريح أوصافهم الآتية يقتضي أنهم كانوا كافرين ويلزم من جعل هذا قسما على حدة كون القسمة غير مستوفاة فليتأمل ، والله تعالى أعلم.
والكلام في قوله تعالى : (وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ* فِي سَمُومٍ) على نمط ما سلف في نظيره ، والسموم قال الراغب : الريح الحارة التي تؤثر تأثير السم ، وفي الكشاف حرّ نار ينفذ في المسام والتنوين للتعظيم وكذا في قوله تعالى : (وَحَمِيمٍ) وهو الماء الشديد الحرارة (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) أي دخان أسود كما قال ابن عباس وأبو مالك وابن زيد والجمهور وهي على وزن يفعول ، وله نظائر قليلة من الحممة القطعة من الفحم وتسميته ظلّا على التشبيه التهكمي ، وعن ابن عباس أيضا أنه سرادق النار المحيط بأهلها يرتفع من كل ناحية حتى يظلهم ، وقال ابن كيسان : هو من أسماء جهنم فإنها سوداء وكذا كل ما فيها أسود بهيم نعوذ بالله تعالى منها. وقال ابن بريدة وابن زيد أيضا : هو جبل من النار أسود يفزع أهل النار إلى ذراه فيجدونه أشد شيء ، والجار والمجرور في موضع الصفة ـ لظل ـ وكذا قوله سبحانه : (لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) صفتان له ، وتقديم الصفة الجار والمجرور على الصفة المفردة جائز كما صرح به الرضي وغيره أي لا بارد كسائر الظلال ، ولا نافع لمن يأوي إليه من أذى الحر ـ وذلك كرمه ـ فهناك استعارة ، ونفى ذلك ليمحق توهم ما في الظل من الاسترواح إليه وإن وصف أولا بقوله تعالى : (مِنْ يَحْمُومٍ) والمعنى أنه ظل حار ضار إلا أن للنفي شأنا ليس للإثبات. ومن ذلك جاء التهكم والتعريض بأن الذي يستأهل الظل الذي فيه برد وإكرام غير هؤلاء فيكون أشجى لحلوقهم وأشد لتحسرهم ، وقيل : الكرم باعتبار أنه مرضي في بابه ، فالظل الكريم هو المرضي في برده وروحه ، وفيه أنه لا يلائم ما هنا لقوله تعالى : (لا بارِدٍ) وجوز أن يكون ذلك نفيا لكرامة من يستروح