للكفار ، وقيل : لا تدركون كنه ما يجري عليه على أن الاستدراك من تنظرون ؛ والابصار من البصر بالعين تجوّز به عن الإدراك أو هو من البصيرة بالقلب ؛ وقيل : أريد بأقربيته تعالى إليه منهم أقربية رسله عزوجل أي ورسلنا الذين يقبضون روحه ويعالجون إخراجها أقرب إليه منهم ولكن لا تبصرونهم (فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) أي غير مربوبين من دان السلطان الرعية إذا ساسهم وتعبدهم ، ومنه قيل للعبد : مدين وللأمة مدينة قال الأخطل:
ربت وربا في حجرها ابن مدينة |
|
تراه على مسحاته يتركل |
والكلام ناظر إلى قوله تعالى : (نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ) [الواقعة : ٥٧] ، وقيل : هو من دان بمعنى انقاد وخضع ، وتجوز به عن الجزاء كما في قولهم ـ كما تدين تدان ـ أي فلو لا إن كنتم غير مجزيين وجعل ناظرا لإنكارهم البعث وليس بشيء (تَرْجِعُونَها) أي الروح إلى مقرها والقائلون بالتجرد يقولون أي ترجعون تعلقها كما كان أولا.
(إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في اعتقادكم عدم خالقيته تعالى فإن عدم تصديقهم بخالقيته سبحانه لهم عبارة عن تصديقهم بعدمها على مذهبهم ، وفي البحر وغيره إن كنتم صادقين في تعطيلكم وكفركم بالمحيي المميت المبدئ المعيد ونسبتكم إنزال المطر إلى الأنواء دونه عزوجل ، وترجعون المذكور هو العامل ـ بإذا ـ الظرفية في (إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) وهو المحضض عليه ـ بلو لا ـ الأولى ، ولو (لا) الثانية تكرير للتأكيد ، ولو (لا) الأولى مع ما في حيزها دليل جواب الشرط الأول أعني (إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) والشرط الثاني مؤكد للأول مبين له ، وقدم أحد الشرطين على (تَرْجِعُونَها) للاهتمام والتقدير ـ فلولا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مربوبين صادقين فيما تزعمونه من الاعتقاد الباطل فلو لا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم ـ وحاصل المعنى أنكم إن كنتم غير مربوبين كما تقتضيه أقوالكم وأفعالكم فما لكم لا ترجعون الروح إلى البدن إذا بلغت الحلقوم وتردونها كما كانت بقدرتكم أو بواسطة علاج للطبيعة ، وقوله تعالى : (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) جملة حالية من فاعل (بَلَغَتِ) والاسمية المقترنة بالواو لا تحتاج في الربط للضمير لكفاية الواو فلا حاجة إلى القول بأن العائد ما تضمنه حينئذ لأن التنوين عوض عن جملة أي فلو لا ترجعونها زمان بلوغها الحلقوم حال نظركم إليه وما يقاسيه من هول النزع مع تعطفكم عليه وتوفركم على إنجائه من المهالك ، وقوله سبحانه : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ) إلخ اعتراض يؤكد ما سيق له الكلام من توبيخهم على صدور ما يدل على سوء اعتقادهم بربهم سبحانه منهم ، وفي جواز جعله حالا مقال.
وقال أبو البقاء : (تَرْجِعُونَها) جواب لو (لا) الأولى ، وأغنى ذلك عن جواب الثانية ، وقيل : عكس ذلك.
وقيل : (إِنْ كُنْتُمْ) شرط دخل على شرط فيكون الثاني مقدما في التقدير ـ أي إن كنتم صادقين إن كنتم غير مربوبين فارجعوا الأرواح إلى الأبدان ـ وما ذكرناه سابقا اختيار جار الله وأيّا ما كان فقوله تعالى : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) إلى آخره شروع في بيان حال المتوفى بعد الممات إثر بيان حاله عند الوفاة وضمير (كانَ) للمتوفى المفهوم مما مر أي فأما إن كان المتوفى الذي بين حاله من السابقين من الأزواج الثلاثة عبر عنهم بأجل أوصافهم (فَرَوْحٌ) أي فله روح على أنه مبتدأ خبره محذوف مقدم عليه لأنه نكرة ، وقيل : خبر مبتدأ محذوف أي فجزاؤه روح أي استراحة ، والفاء واقعة في جواب أما ، قال بعض الأجلة : تقدير هذا الكلام مهما يكن من شيء فروح إلخ إن كان من المقربين فحذف مهما يكن من شيء ، وأقيم أما مقامه ولم يحسن أن يلي الفاء أما ، فأوقع الفصل بين أما والفاء بقوله سبحانه : (إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) لتحسين اللفظ كما يقع الفصل بينهما بالظرف والمفعول ، والفاء في (فَرَوْحٌ) وأخويه جواب أما دون (إِنْ) ، وقال أبو البقاء : جواب أما (فَرَوْحٌ) ، وأما (إِنْ) فاستغنى بجواب أما عن جوابها