فيها (غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أو في الكلام ضرب آخر من المجاز فلا تغفل.
(وَتَرَكْنا فِيها) أي في القرى (آيَةً) علامة دالة على ما أصابهم من العذاب ، قال ابن جريج : هي أحجار كثيرة منضودة ، وقيل : تلك الأحجار التي أهلكوا بها ، وقيل : ماء منتن قال الشهاب : كأنه بحيرة طبرية ، وجوز أبو حيان كون ضمير (فِيها) عائدا على الاهلاكة التي أهلكوا فإنها من أعاجيب الإهلاك بجعل أعالي القرية أسافل ، وإمطار الحجارة ، والظاهر هو الأول (لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ) أي من شأنهم أن يخافوه لسلامة فطرتهم ورقة قلوبهم دون من عداهم من ذوي القلوب القاسية فإنهم لا يعتدون بها ولا يعدونها آية (وَفِي مُوسى) عطف على (وَتَرَكْنا فِيها) بتقدير عامل له أي وجعلنا في موسى ، والجملة معطوفة على الجملة ، أو هو عطف على (فِيها) بتغليب معنى عامل الآية ، أو سلوك طريق المشاكلة في عطفه على الأوجه التي ذكرها النحاة في نحو :
علفتها تبنا وماء باردا
لا يصح تسليط الترك بمعنى الإبقاء على قوله سبحانه : (وَفِي مُوسى) فقول أبي حيان : لا حاجة إلى إضمار (تَرَكْنا) لانه قد أمكن العامل في المجرور تركنا الاول فيه بحث ، وقيل : (فِي مُوسى) خبر لمبتدإ محذوف أي (وَفِي مُوسى) آية ، وجوز ابن عطية. وغيره أن يكون معطوفا على قوله تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ) وما بينهما اعتراض لتسليته عليه الصلاة والسلام على ما مر ، وتعقبه في البحر بأنه بعيد جدا ينزه القرآن الكريم عن مثله (إِذْ أَرْسَلْناهُ) قيل : بدل من (مُوسى) ، وقيل : هو منصوب بآية ، وقيل : بمحذوف أي كائنة وقت إرسالنا ، وقيل : بتركنا.
(إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) هو ما ظهر على يديه من المعجزات الباهرة ، والسلطان يطلق على ذلك مع شموله للواحد والمتعدد لأنه في الأصل مصدر (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) فأعرض عن الإيمان بموسى عليهالسلام على أن ركنه جانب بدنه وعطفه ، والتولي به كناية عن الإعراض ، والباء للتعدية لأن معناه ثنى عطفه ، أو للملابسة ، وقال قتادة : تولى بقومه على أن الركن بمعنى القوم لأنه يركن إليهم ويتقوى بهم ، والباء للمصاحبة أو الملابسة وكونها للسببية غير وجيه ، وقيل : تولى بقوته وسلطانه ، والركن يستعار للقوة ـ كما قال الراغب ـ وقرئ بركنه بضم الكاف اتباعا للراء (وَقالَ ساحِرٌ) أي هو ساحر (أَوْ مَجْنُونٌ) كان اللعين جعل ما ظهر على يديه عليهالسلام من الخوارق العجيبة منسوبة إلى الجن وتردد في أنه حصل باختياره فيكون سحرا ، أو بغير اختياره فيكون جنونا ، وهذا مبني على زعمه الفاسد وإلا فالسحر ليس من الجن كما بين في محله ـ فأو ـ للشك ، وقيل : للإبهام ، وقال أبو عبيدة : هي بمعنى الواو لأن اللعين قال الأمرين قال : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) [الأعراف : ١٠٩ ، الشعراء : ٣٤] وقال : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) [الشعراء : ٢٧] وأنت تعلم أن اللعين يتلوّن تلون الحرباء فلا ضرورة تدعو إلى جعلها بمعنى الواو (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ) طرحناهم غير معتدّين بهم (فِي الْيَمِ) في البحر ، والمراد فأغرقناهم فيه ، وفي الكلام من الدلالة على غاية عظم شأن القدرة الربانية ونهاية قمأة فرعون وقومه ما لا يخفى (وَهُوَ مُلِيمٌ) أي آت بما يلام عليه من الكفر والطغيان فالافعال هنا للاتيان بما يقتضي معنى ثلاثيه كأغرب إذا أتى أمرا غريبا ، وقيل : الصيغة للنسب ، أو الإسناد للسبب ـ وهو كما ترى ـ وكون الملام عليه هنا الكفر والطغيان هو الذي يقتضيه حال فرعون وهو مما يختلف باعتبار من وصف به فلا يتوهم أنه كيف وصف اللعين بما وصف به ذو النون عليهالسلام (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا) على طرز ما تقدم (عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) الشديد التي لا تلقح شيئا كما أخرجه جماعة عن ابن عباس وصححه الحاكم ، وفي لفظ هي ريح لا بركة فيها ولا منفعة ولا ينزل منها غيث ولا يلقح بها شجر كأنه شبه عدم تضمن المنفعة بعقم المرأة ففعيل بمعنى فاعل من اللازم وكون هذا المعنى لا يصح هنا مكابرة ، وقال بعضهم وهو