وقيل : للتعليل والفعل منزل منزلة اللازم أي فعل التسبيح وأوقعه لأجل الله تعالى وخالصا لوجهه سبحانه ، وفيه شيء لا يخفى ، وعبر بالماضي هنا وفي بعض الأخوات وبالمضارع في البعض الآخر إيذانا بتحقق التسبيح في جميع الأوقات ، وفي كل دلالة على أن من شأن ما أسند إليه التسبيح أن يسبحه وذلك هجيراه وديدنه ، أما دلالة المضارع عليه فللدلالة على الاستمرار إلى زمان الإخبار وكذلك فيما يأتي من الزمان لعموم المعنى المقتضي للتسبيح وصلوح اللفظ لذلك حيث جرد عن الدلالة على الزمان وأوثر على الاسم دلالة على تجدد تسبيح غبّ تسبيح ، وأما دلالة الماضي فللتجرد عن الزمان أيضا مع التحقيق الذي هو مقتضاه فيشمل الماضي من الزمان ومستقبله كذلك ، وقيل : الإيذان والدلالة على الاستمرار مستفادان من مجموعي الماضي والمضارع حيث دل الماضي على الاستمرار إلى زمان الإخبار والمضارع على الاستمرار في الحال والاستقبال فشملا معا جميع الأزمنة ، وقال الطيبي : افتتحت بعض السور بلفظ المصدر وبعض بالماضي وبعض بالمضارع وبعض بالأمر فاستوعب جميع جهات هذه الكلمة إعلاما بأن المكونات من لدن إخراجها من العدم إلى الوجود إلى الأبد مسبحة مقدسة لذاته سبحانه وتعالى قولا وفعلا طوعا وكرها (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الإسراء : ٤٤] (وَهُوَ الْعَزِيزُ) القادر الغالب الذي لا ينازعه ولا يمانعه شيء (الْحَكِيمُ) الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة ، والجملة اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله مشعر بعلة الحكم ، وكذا قوله تعالى : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي التصرف الكلي فيهما وفيما فيهما من الموجودات من حيث الإيجاد والإعدام وسائر التصرفات ، وقوله سبحانه : (يُحْيِي وَيُمِيتُ) أي يفعل الإحياء والإماتة استئناف مبين لبعض أحكام الملك وإذا جعل خبر مبتدأ محذوف أي هو يحيي ويميت كانت تلك الجملة كذلك وجعله حالا من ضمير له يوهم تقييد اختصاص الملك بهذه الحال ، وقوله تعالى : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من الأشياء التي من جملتها ما ذكر من الإحياء والإماتة (قَدِيرٌ) مبالغ في القدرة تذييل وتكميل لما قبله (هُوَ الْأَوَّلُ) السابق على جميع الموجودات فهو سبحانه موجود قبل كل شيء حتى الزمان لأنه جل وعلا الموجد والمحدث للموجودات (وَالْآخِرُ) الباقي بعد فنائها حقيقة أو نظرا إلى ذاتها مع قطع النظر عن مبقيها فإن جميع الموجودات الممكنة إذا قطع النظر عن علتها فهي فانية.
ومن هنا قال ابن سينا : الممكن في حدّ ذاته ليس وهو عن علته أيس فلا ينافي هذا كون بعض الموجودات الممكنة لا تفنى كالجنة والنار ومن فيهما كما هو مقرر مبين بالآيات والأحاديث لأن فناءها في حدّ ذاتها أمر لا ينفك عنها ، وقد يقال : فناء كل ممكن بالفعل ليس بمشاهد ، والذي يدل عليه الدليل إنما هو إمكانه فالبعدية في مثله بحسب التصور والتقدير ، وقيل : هو الأول الذي تبتدئ منه الأسباب إذ هو سبحانه مسببها (وَالْآخِرُ) الذي تنتهي إليه المسببات فالأولية ذاتية والآخرية بمعنى أنه تعالى المرجع والمصير بقطع النظر عن البقاء الثابت بالأدلة ، وقيل : الأول خارجا لأنه تعالى أوجد الأشياء فهو سبحانه متقدم عليها في نفس الأمر الخارجي والآخر ذهنا وبحسب التعلق لأنه عز شأنه يستدل عليه بالموجودات الدالة على الصانع القديم كما قيل : ما رأيت شيئا إلا رأيت الله تعالى بعده ، وقال حجة الإسلام الغزالي : إن الأول يكون أولا بالإضافة إلى شيء ، والآخر يكون آخرا بالإضافة إلى شيء ، وهما متناقضان فلا يتصور أن يكون الشيء الواحد من وجه واحد بالإضافة إليها أول إذ كلها استفادت الوجود منه سبحانه وأما هو عزوجل فموجود بذاته وما استفاد الوجود من غيره سبحانه وتعالى عن ذلك ، ومهما نظرت إلى ترتيب السلوك ولاحظت منازل السالكين فهو تعالى آخر إذ هو آخر ما ترتقي إليه درجات العارفين وكل معرفة تحصل قبل معرفته تعالى فهي مرقاة إلى معرفته جل وعلا ، والمنزل الأقصى هو معرفة الله جل جلاله فهو سبحانه بالإضافة إلى السلوك آخر