من كل شيء إذ ظهور كل شيء بك وأنت الباطن فليس دونك في البطون شيء أي أنت أبطن من كل شيء إذ كل شيء يعلم حقيقته غيره وهو أنت وأنت لا يعلم حقيقتك غيرك ، أو لأن كل شيء يمكن معرفة حقيقته وأنت لا يمكن أصلا معرفة حقيقتك ، وأيضا في دلالة الباطن على ما قال : خفاء جدا على أنه لو كان الأمر كما ذكر ما عدل عنه أجلة العلماء فان الخير صحيح ، وقد جاء نحوه من رواية الإمام أحمد وأبي داود وابن ماجة ؛ ويبعد عدم وقوف أولئك الأجلة عليه ، وأبعد من ذلك أن يكون ما ذكره صلىاللهعليهوسلم من أسمائه تعالى غير ما في الآية ، ويحتمل أنه عليه الصلاة والسلام أراد بقوله : «فليس دونك شيء» ليس أقرب منك شيء ، ويؤيده ما أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات عن مقاتل قال : بلغنا في قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ) إلخ هو الأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء والظاهر فوق كل شيء والباطن أقرب من كل شيء ، وإنما يعني القرب بعلمه وقدرته وهو فوق عرشه والذي يترجح عندي ما ذكر أولا ، وعن بعض المتصوفة أهل وحدة الوجود أن المراد بقوله سبحانه : (هُوَ الْأَوَّلُ) إلخ أنه لا موجود غيره تعالى إذ كل ما يتصور موجودا فهو إما أول أو آخر هو سبحانه لا غيره ، وأيدوه بما في حديث مرفوع أخرجه الإمام أحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن المنذر وجماعة عن أبي هريرة «والذي نفسي بيده لو أنكم دليتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله» قال أبو هريرة ، ثم قرأ النبي صلىاللهعليهوسلم (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
وحال القول بوحدة الوجود مشهور وأما الخبر فمن المتشابه ، وقد قال فيه الترمذي : فسر أهل العلم الحديث فقالوا : أي لهبط على علم الله تعالى وقدرته وسلطانه ، ويؤيد هذا ذكر التذييل وعدم اقتصاره عليه الصلاة والسلام على ما قبله ، وهذه الآية ينبغي لمن وجد في نفسه وسوسة فيما يتعلق بالله تعالى أن يقرأها ، فقد أخرج أبو داود عن أبي زميل أن ابن عباس قال له وقد أعلمه أن عنده وسوسة في ذلك : «إذا وجدت في نفسك شيئا فقل هو الأول» الآية.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عمر وأبي سعيد رضي الله تعالى عنهم عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : «لا يزال الناس يسألون عن كل شيء حتى يقولوا هذا الله كان قبل كل شيء فما ذا كان قبل الله فإن قالوا لكم ذلك فقالوا هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم».
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) بيان بعض أحكام ملكهما وقد مر تفسيره مرارا (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها) مر بيانه في سورة سبأ (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) تمثيل لإحاطة علمه تعالى بهم وتصوير لعدم خروجهم عنه أينما كانوا ، وقيل : المعية مجاز مرسل عن العلم بعلاقة السببية والقرينة السباق واللحاق مع استحالة الحقيقة ، وقد أول السلف هذه الآية بذلك ، أخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه قال فيها : عالم بكم أينما كنتم.
وأخرج أيضا عن سفيان الثوري أنه سئل عنها فقال : علمه معكم ، وفي البحر أنه اجتمعت الأمة على هذا التأويل فيها وأنها لا تحمل على ظاهرها من المعية بالذات وهي حجة على منع التأويل في غيرها مما يجري مجراها في استحالة الحمل على الظاهر ، وقد تأول هذه الآية وتأول الحجر الأسود يمين الله في الأرض ، ولو اتسع عقله لتأول غير ذلك مما هو في معناه انتهى.
وأنت تعلم أن الأسلم ترك التأويل فإنه قول على الله تعالى من غير علم ولا نؤوّل إلا ما أوّله السلف ونتبعهم فيما كانوا عليه فإن أوّلوا أوّلنا وإن فوضوا فوضنا ولا نأخذ تأويلهم لشيء سلما لتأويل غيره ، وقد رأيت بعض الزنادقة الخارجين من ربقة الإسلام يضحكون من هذه الآية مع قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) ويسخرون من القرآن