وقال المهدوي : «أنظرونا» «وانظرونا» بمعنى وهما من الانتظار تقول العرب : أنظرته بكذا وانتظرته بمعنى واحد والمعنى أمهلونا (قِيلَ) القائلون على ما روي عن ابن عباس المؤمنون ، وعلى ما روي عن مقاتل الملائكة عليهمالسلام.
(ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) قال ابن عباس : أي من حيث جئتم من الظلمة أو إلى المكان الذي قسم فيه النور على ما صح عن أبي أمامة (فَالْتَمِسُوا نُوراً) هناك ، قال مقاتل : هذا من الاستهزاء بهم كما استهزءوا بالمؤمنين في الدنيا حين قالوا آمنا وليسوا بمؤمنين ، وذلك قوله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) [البقرة : ١٥] أي حين يقال لهم ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ، وقال أبو أمامة : يرجعون حين يقال لهم ذلك إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئا فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم بسور وهي خدعة الله تعالى التي خدع بها المنافقين حيث قال سبحانه : (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) [النساء : ١٤٢] ، وقيل : المراد ارجعوا إلى الدنيا والتمسوا نورا أي بتحصيل سببه وهو الإيمان أو تنحوا عنا والتمسوا نورا غير هذا فلا سبيل لكم إلى الاقتباس منه ، والغرض التهكم والاستهزاء أيضا.
وقيل : أرادوا بالنور ما وراءهم من الظلمة الكثيفة تهكما بهم وهو خلاف الظاهر ، وأيا ما كان فالظاهر أن وراءكم معمول لارجعوا.
وقيل : لا محل له من الإعراب لأنه بمعنى ارجعوا فكأنه قيل : ارجعوا ارجعوا كقولهم وراءك أوسع لك أي ارجع تجد مكانا أوسع لك (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ) أي بين الفريقين ، وقرأ زيد بن علي وعبيد بن عمير «فضرب» مبنيا للفاعل أي فضرب هو أي الله عزوجل (بِسُورٍ) أي بحاجز ، قال ابن زيد : هو الأعراف ، وقال غير واحد : حاجز غيره والباء مزيدة (لَهُ بابٌ باطِنُهُ) أي الباب كما روي عن مقاتل أو السور وهو الجانب الذي يلي مكان المؤمنين أعني الجنة (فِيهِ الرَّحْمَةُ) الثواب والنعيم الذي لا يكتنه (وَظاهِرُهُ) الجانب الذي يلي مكان المنافقين أعني النار (مِنْ قِبَلِهِ) أي من جهته (الْعَذابُ) وهذا السور قيل : يكون في تلك النشأة وتبدل هذا العالم واختلاف أوضاعه في موضع الجدار الشرقي من مسجد بيت المقدس.
أخرج عبد بن حميد عن أبي سنان قال : كنت مع علي بن عبد الله بن عباس عند وادي جهنم يعني المكان المعروف عند بيت المقدس فحدث عن أبيه أنه قال ، وقد تلا قوله تعالى : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) هذا موضع السور عند وادي جهنم ، وأخرج هو وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وغيرهم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : إن السور الذي ذكره الله تعالى في القرآن (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) هو سور بيت المقدس الشرقي (باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ) المسجد (وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) يعني وادي جهنم وما يليه.
وأخرج عن عبادة بن الصامت أنه كان على سور بيت المقدس الشرقي فبكى فقيل : ما يبكيك؟ فقال : هاهنا أخبرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه رأى جهنم ولا يخفى أن هذا ونظائره أمور مبنية على اختلاف العالمين وتغاير النشأتين على وجه لا تصل العقول إلى إدراك كيفيته والوقوف على تفاصيله ، فإن صح الخبر لم يسعنا إلا الايمان لعدم خروج الأمر عن دائرة الإمكان ، وأبو حيان حكى عمن سمعت وعن كعب الأحبار أنه الجدار الشرقي من مسجد بيت المقدس واستبعده ثم قال : ولعله لا يصح عنهم (يُنادُونَهُمْ) استئناف مبني على السؤال كأنه قيل : فما ذا يفعلون بعد ضرب السور ومشاهدة العذاب؟ فقيل : ينادي المنافقون والمنافقات المؤمنين والمؤمنات (أَلَمْ نَكُنْ) في الدنيا (مَعَكُمْ) يريدون به موافقتهم لهم في الظاهر (قالُوا بَلى) كنتم معنا كما تقولون (وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) محنتموها بالنفاق وأهلكتموها (وَتَرَبَّصْتُمْ) بالمؤمنين الدوائر (وَارْتَبْتُمْ) وشككتم في أمور الدين