بالمنتهى للتأكيد والمبالغة ، وفيه دليل على خروج العمل من مفهوم ـ الإيمان ـ فإن جزء الثابت في القلب ثابت فيه قطعا ، ولا شيء من أعمال الجوارح يثبت فيه.
وقرأ أبو حيوة والمفضل عن عاصم «كتب» مبنيا للمفعول «الإيمان» بالرفع على النيابة عن الفاعل.
(وَأَيَّدَهُمْ) أي قواهم (بِرُوحٍ مِنْهُ) أي من عنده عزوجل على أن من ابتدائية ، والمراد بالروح نور القلب وهو نور يقذفه الله تعالى في قلب من يشاء من عباده تحصل به الطمأنينة والعروج على معارج التحقيق ، وتسميته روحا مجاز مرسل لأنه سبب للحياة الطيبة الأبدية ، وجوز كونه استعارة ، وقول بعض الأجلة : إن نور القلب ما سماه الأطباء روحا وهو الشعاع اللطيف المتكون من القلب ـ وبه الإدراك ـ فالروح على حقيقته ليس بشيء كما لا يخفى ، أو المراد به القرآن على الاحتمالين السابقين ، واختيرت الاستعارة أو جبريل عليهالسلام وذلك يوم بدر ، وإطلاق الروح عليه شائع أقوال.
وقيل : ضمير (مِنْهُ) للإيمان ، والمراد بالروح الإيمان أيضا ، والكلام على التجريد البديعي ـ فمن ـ بيانية أو ابتدائية على الخلاف فيها ، وإطلاق الروح على الإيمان على ما مر ؛ وقوله تعالى : (وَيُدْخِلُهُمْ) إلخ بيان لآثار رحمته تعالى الأخروية إثر بيان ألطافه سبحانه الدنيوية أي ويدخلهم في الآخرة.
(جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) أبد الآبدين ، وقوله تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) استئناف جار مجرى التعليل لما أفاض سبحانه عليهم من آثار رحمته عزوجل العاجلة والآجلة ، وقوله تعالى (وَرَضُوا عَنْهُ) بيان لابتهاجهم بما أوتوه عاجلا وآجلا ، وقوله تعالى : (أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ) تشريف لهم ببيان اختصاصهم به تعالى وقوله سبحانه : (أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) بيان لاختصاصهم بسعادة الدارين والكلام في تحلية الجملة ـ بإلا. وإن ـ على ما مر في أمثالها ، والآية قيل : نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه.
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : حدثت أن أبا قحافة سب النبي صلىاللهعليهوسلم فصكه أبو بكر صكة فسقط ؛ فذكر ذلك للنبي صلّى الله تعالى عليه وسلم فقال : أفعلت يا أبا بكر؟ قال : نعم ، قال : لا تعد ، قال : والله لو كان السيف قريبا مني لضربته ـ وفي رواية ـ لقتلته فنزلت (لا تَجِدُ قَوْماً) الآيات.
وقيل : في أبي عبيدة بن عبد الله بن الجراح ، أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في سننه عن ابن عباس عن عبد الله بن شوذب قال : جعل والد أبي عبيدة يتصدى له يوم بدر وجعل أبو عبيدة يحيد عنه فلما أكثر قصده أبو عبيدة فقتله فنزلت (لا تَجِدُ) إلخ ، وفي الكشاف أن أبا عبيدة قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد ، وقال الواقدي في قصة قتله إياه : كذلك يقول أهل الشام ، وقد سألت رجالا من بني فهر فقالوا : توفي أبوه قبل الإسلام أي في الجاهلية قبل ظهور الإسلام انتهى.
والحق أنه قتله في بدر ، أخرج البخاري ومسلم عن أنس قال : كان ـ أي أبو عبيدة ـ قتل أباه وهو من جملة أسارى بدر بيده لما سمع منه في رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم ما يكره ونهاه فلم ينته ، وقيل : نزلت فيه حيث قتل أباه. وفي أبي بكر دعا ابنه يوم بدر إلى البراز ، وقال لرسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم : دعني أكون في الرعلة الأولى ـ وهي القطعة من الخيل ـ قال : «متعنا بنفسك يا أبا بكر ما تعلم أنك عندي بمنزلة سمعي وبصري» وفي معصب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد وفي عمر قتل خاله العاص بن هشام يوم بدر. وفي علي كرم الله تعالى وجهه وحمزة وعبيدة بن الحارث قتلوا عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة يوم بدر.
وتفصيل ذلك ما رواه أبو داود عن علي كرم الله تعالى وجهه قال : لما كان يوم بدر تقدم عتبة ابن ربيعة ومعه