رغبة بأرض عن أرض. وبالله ما خرجت من بغض زوج وبالله ما خرجت التماس دنيا وبالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله ، وفي رواية عنه أيضا كانت محنة النساء أن رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب فقال : قل لهن إن رسول الله عليه الصلاة والسلام بايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا إلخ (اللهُ أَعْلَمُ) من كل أحد أو منكم (بِإِيمانِهِنَ) فإنه سبحانه هو المطلع على ما في قلوبهن ، والجملة اعتراض (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَ) أي ظننتموهن ظنا قويا يشبه العلم بعد الامتحان (مُؤْمِناتٍ) في نفس الأمر (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) أي إلى أزواجهن الكفرة لقوله تعالى : (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) فإنه تعليل للنهي عن رجعهن إليهم ، والجملة الأولى لبيان الفرقة الثابتة وتحقق زوال النكاح الأول. والثانية لبيان امتناع ما يستأنف ويستقبل من النكاح ، ويشعر بذلك التعبير بالاسم في الأولى والفعل في الثانية.
وقال الطيبي في وجه اختلاف التعبيرين : إنه أسندت الصفة المشبهة إلى ضمير المؤمنات في الجملة الأولى إعلاما بأن هذا الحكم يعني نفي الحل ثابت فيهن لا يجوز فيه الإخلال والتغيير من جانبهن ، وأسند الفعل إلى ضمير الكفار إيذانا بأن ذلك الحكم مستمر الامتناع في الأزمنة المستقبلة لكنه قابل للتغيير باستبدال الهدى بالضلال ، وجوز أن يكون ذلك تكريرا للتأكيد والمبالغة في الحرمة وقطع العلاقة ، وفيه من أنواع البديع ما سماه بعضهم بالعكس والتبديل كالذي في قوله تعالى : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) [البقرة : ١٨٧] ولعل الأول أولى ، واستدل بالآية على أن الكفار مخاطبون بالفروع كما في الانتصاف ، والقول : بأن المخاطب في حق المؤمنة هي وفي حق الكافر الأئمة بمعنى أنهم مخاطبون بأن يمنعوا ذلك الفعل من الوقوع لا يخفى حاله ، وقرأ طلحة ـ لا هن يحللن لهم ـ (وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) أي وأعطوا أزواجهن مثل ما دفعوا إليهن من المهور قيل : وجوبا ، وقيل : ندبا ، روي أنه صلّى الله تعالى عليه وسلم عام الحديبية أمر عليا كرم الله تعالى وجهه أن يكتب بالصلح فكتب : باسمك اللهم هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين تأمن فيه الناس ويكف بعضهم عن بعض على أن من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليه ، ومن جاء قريشا من محمد لم يردّوه عليه وأن بيننا عيبة مكفوفة ، وأن لا إسلال ولا إغلال ، وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه ، فرد رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم أبا جندل بن سهيل ولم يأت رسول الله عليه الصلاة والسلام أحد من الرجال إلا رده في مدّة العهد وإن كان مسلما ، ثم جاء المؤمنات مهاجرات ، وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم وكانت أول المهاجرات ، فخرج أخواها عمار ، والوليد حتى قدما على رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم فكلماه في أمرها ليردها عليه الصلاة والسلام إلى قريش فنزلت الآية فلم يردّها عليه الصلاة والسلام ثم أنكحها صلّى الله تعالى عليه وسلم زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل أنه جاءت امرأة تسمى سبيعة بنت الحارث الأسلمية مؤمنة ، وكانت تحت صيفي بن الراهب وهو مشرك من أهل مكة فطلبوا ردها فأنزل الله تعالى الآية ، وروي أنها كانت تحت صناب وأقط وسمن وهي مشركة فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها بيتها حتى أرسلت إلى عائشة رضي الله تعالى عنها أن تسأل رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم عن هذا فسألته فأنزل الله تعالى (لا يَنْهاكُمُ اللهُ) الآية فأمرها أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها.
وقتيلة هذه ـ على ما في التحرير ـ كانت امرأة أبي بكر رضي الله تعالى عنه فطلقها في الجاهلية وهي أم أسماء