(فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا) من مهر المهاجرة التي تزوجتموها ولا تؤتوه زوجها الكافر ليكون قصاصا ، ويعلم مما ذكرنا أن عاقب لا يقتضي المشاركة ، وهذا كما تقول : إبل معاقبة ترعى الحمض تارة وغيره أخرى ولا تريد أنها تعاقب غيرها من الإبل في ذلك ، وحمل الآية على هذا المعنى يوافق ما روي عن الزهري أنه قال : يعطى من لحقت زوجته بالكفار من صداق من لحق بالمسلمين من زوجاتهم.
وعن الزجاج أن معنى (فَعاقَبْتُمْ) فغنمتم ، وحقيقته فأصبتم في القتال بعقوبة حتى غنمتم فكأنه قيل : (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ) ولم يؤدوا إليكم مهورهن فغنمتم منهم (فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا) من الغنيمة وهذا هو الوجه دون ما سبق ، وقد كان صلّى الله تعالى عليه وسلم ـ كما روي عن ابن عباس ـ يعطي الذي ذهبت زوجته من الغنيمة قبل أن تخمس المهر ولا ينقص من حقه شيئا ، وقال ابن جني : روينا عن قطرب أنه قال : (فَعاقَبْتُمْ) فأصبتم عقبا منهم يقال : عاقب الرجل شيئا إذا أخذ شيئا وهو في المعنى كالوجه قبله.
وقرأ مجاهد والزهري والأعرج وعكرمة وحميد وأبو حيوة والزعفراني ـ فعقّبتم ـ بتشديد القاف من عقبه إذا قفاه لأن كل واحد من المتعاقبين يقفي صاحبه ، والزهري والأعرج وأبو حيوة أيضا والنخعي وابن وثاب بخلاف عنه ـ فعقبتم ـ بفتح القاف وتخفيفها ، والزهري والنخعي أيضا بالكسر والتخفيف ، ومجاهد أيضا ـ فأعقبتم ـ أي دخلتم في العقبة ؛ وفسر الزجاج هذه القراءات الأربعة بأن المعنى فكانت العقبى لكم أي الغلبة والنصر حتى غنمتم لأنها العاقبة التي تستحق أن تسمى عاقبة (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) فإن الإيمان به عزوجل يقتضي التقوى منه سبحانه وتعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ) أي مبايعات لك أي قاصدات للمبايعة (عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً) أي شيئا من الأشياء أو شيئا من الإشراك (وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ) أريد به على ما قال غير واحد : وأد البنات بالقرينة الخارجية ، وإن كان الأولاد أعم منهن ، وجوز إبقاءه على ظاهره فإن العرب كانت تفعل ذلك من أجل الفقر والفاقة ، وانظر هل يجوز حمل هذا النهي على ما يعم ذلك ، وإسقاط الحمل بعد أن ينفخ فيه الروح ، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه والحسن والسلمي «ولا يقتّلن» بالتشديد (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ).
قال الفراء : كانت المرأة في الجاهلية تلتقط المولود فتقول : هذا ولدي منك فذلك البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن ، وذلك أن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها ، وفي الكشاف كني بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها عن الولد الذي تلصقه بزوجها كذبا لأن بطنها الذي تحمله فيه بين اليدين وفرجها الذي تلده به بين الرجلين ، وقيل : كني بذلك عن الولد الدعي لأن اللواتي كن يظهرن البطون لأزواجهن في بدء الحال إنما فعلن ذلك امتنانا عليهم ، وكن يبدين في ثاني الحال عند الطلق حين يضعن الحمل بين أرجلهن أنهن ولدن لهم فنهين عن ذلك الذي هو من شعار الجاهلية المنافي لشعار المسلمات تصويرا لتينك الحالتين وتهجينا لما كن يفعلنه ، وأيا ما كان فحمل الآية على ما ذكر هو الذي ذهب إليه الأكثرون ، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وقال بعض الأجلة : معناه لا يأتين ببهتان من قبل أنفسهن ، واليد والرجل كناية عن الذات لأن معظم الأفعال بهما ، ولذا قيل للمعاقب بجناية قولية : هذا ما كسبت يداك ، أو معناه لا يأتين ببهتان ينشئنه في ضمائرهم وقلوبهن ، والقلب مقره بين الأيدي والأرجل ، والكلام على الأول كناية عن إلقاء البهتان من تلقاء أنفسهن ، وعلى الثاني كناية عن كون البهتان من دخيلة قلوبهن المبنية على الخبث الباطني.
وقال الخطابي : معناه لا يبهتن الناس كفاحا ومواجهة كما يقال للأمر بحضرتك : إنه بين يديك ، ورد بأنهم وإن