وقال الزمخشري : هو عطف على (تُؤْمِنُونَ) لأنه في معنى الأمر كأنه قيل : آمنوا وجاهدوا يثبكم الله تعالى وينصركم وبشر يا رسول الله المؤمنين بذلك ، وتعقبه في الإيضاح بأن فيه نظرا لأن المخاطبين في (تُؤْمِنُونَ) هم المؤمنون ، وفي (بَشِّرِ) هو النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم ، ثم قوله تعالى : (تُؤْمِنُونَ) بيان لما قبله على طريق الاستئناف فكيف يصح عطف (بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) عليه؟ وأجيب بما خلاصته أن قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) للنبي صلّى الله تعالى عليه وسلم وأمته كما تقرر في أصول الفقه ، وإذ فسر بآمنوا وبشر دل على تجارته عليه الصلاة والسلام الرابحة وتجارتهم الصالحة ، وقدم (آمَنُوا) لأنه فاتحة الكل ثم لو سلم فلا مانع من العطف على جواب السائل بما لا يكون جوابا إذا ناسبه فيكون جوابا للسؤال وزيادة كيف وهو داخل فيه؟ كأنهم قالوا : دلنا يا ربنا فقيل : آمنوا يكن لكم كذا وبشرهم يا محمد بثبوته لهم ، وفيه من إقامة الظاهر مقام المضمر وتنويع الخطاب ما لا يخفى نبل موقعه ، واختاره صاحب الكشف فقال : إن هذا الوجه من وجه العطف على قل ووجه العطف على فابشر لخلوهما عن الفوائد المذكورة يعني ما تضمنه الجواب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ) أي نصرة دينه سبحانه وعونة رسوله عليه الصلاة والسلام ، وقرأ الأعرج وعيسى وأبو عمرو والحرميان «أنصارا لله» بالتنوين وهو للتبعيض فالمعنى كونوا بعض أنصاره عزوجل.
وقرأ ابن مسعود ـ على ما في الكشاف ـ كونوا أنتم أنصار الله ، وفي موضح الأهوازي والكواشي ـ أنتم ـ دون (كُونُوا كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) أن من جندي متوجها إلى نصرة الله تعالى ليطابق قوله سبحانه : (قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) وقيل : (إِلَى) بمعنى مع و (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) بتقدير نحن أنصار نبي الله فيحصل التطابق ، والأول أولى ، والإضافة في (أَنْصارِي) إضافة أحد المتشاركين إلى الآخر لأنهما لما اشتركا في نصرة الله عزوجل كان بينهما ملابسة تصحح إضافة أحدهما للآخر والإضافة في (نْصارَ اللهِ) إضافة الفاعل إلى المفعول والتشبيه باعتبار المعنى إذ المراد قل لهم ذلك كما قال عيسى ، وقال أبو حيان : هو على معنى قلنا لكم كما قال عيسى.
وقال الزمخشري : هو على معنى كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) وخلاصته على ما قيل : إن ما مصدرية وهي مع صلتها ظرف أي كونوا أنصار الله وقت قولي لكم ككون الحواريين أنصاره وقت قول عيسى ، ثم قيل : كونوا أنصاره كوقت قول عيسى هذه المقالة ، وجيء بحديث سؤاله عن الناصر وجوابهم فهو نظير كاليوم في قولهم : كاليوم رجل أي كرجل رأيته اليوم فحذف الموصوف مع صفته ، واكتفى بالظرف عنهما لدلالته على الفعل الدال على موصوفه ، وهذا من توسعاتهم في الظروف ، وقد جعلت الآية من الاحتباك ، والأصل كونوا أنصار الله حين قال لكم النبي صلىاللهعليهوسلم : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) كما كان الحواريون أنصار الله حين قال لهم عيسى عليهالسلام (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) فحذف من كل منهما ما دل عليه المذكور في الآخر ، وهو لا يخلو عن حسن ، و (الْحَوارِيُّونَ) أصفياؤه عليهالسلام ، والعدول عن ضميرهم إلى الظاهر الاعتناء بشأنهم ، وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا فرقهم ـ على ما في البحر ـ عيسى عليهالسلام في البلاد ، فمنهم من أرسله إلى رومية ، ومنهم من أرسله إلى بابل ، ومنهم من أرسله إلى إفريقية ، ومنهم من أرسله إلى أفسس ، ومنهم من أرسله إلى بيت المقدس ، ومنهم من أرسله إلى الحجاز ، ومنهم من أرسله إلى أرض البربر وما حولها وتعيين المرسل إلى كل فيه ، ولست على ثقة من صحة ذلك ولا من ضبط أسمائهم ، وقد ذكرها السيوطي أيضا في الإتقان فليلتمس ضبط ذلك في مظانه ، واشتقاق الحواريين من الحور ـ وهو البياض ـ وسموا بذلك لأنهم كانوا قصارين ، وقيل :