ما قال أبو حيان للعطف ، والجملة المقسم عليها قوله تعالى : (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ) أي لكائن على شدّة كأنه مهيأ في مكان مرتفع فيقع على من يحل به من الكفار ؛ وفي إضافته إلى الرب مع إضافة الرب إلى ضميره عليه الصلاة والسلام أمان له صلى الله تعالى عليه وسلم وإشارة إلى أن العذاب واقع بمن كذبه ، وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما ـ واقع ـ بدون لام ، وقوله تعالى : (ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) خبر ثان ـ لأن ـ أو صفة (لَواقِعٌ) أو هو جملة معترضة ، و (مِنْ دافِعٍ) إما مبتدأ للظرف أم مرتفع به على الفاعلية ، و (مِنْ) مزيدة للتأكيد ولا يخفى ما في الكلام من تأكيد الحكم وتقريره ؛ وقد روي أن عمر رضي الله تعالى عنه قرأ من أول السورة إلى هنا فبكى ثم بكى حتى عيد من وجعه وكان عشرين يوما ، وأخرج أحمد وسعيد بن منصور وابن سعد عن جبير بن مطعم قال : قدمت المدينة على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لأكلمه في أسارى بدر فدفعت إليه وهو يصلي بأصحابه صلاة المغرب فسمعته يقرأ (وَالطُّورِ) إلى (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) فكأنما صدع قلبي ، وفي رواية فأسلمت خوفا من نزول العذاب وما كنت أظن أن أقوم من مقامي حتى يقع بي العذاب ، وهو لا يأتي أن يكون المراد الوقوع يوم القيامة «ومن غريب ما يحكى» أن شخصا رأى مكتوبا في كفه خمس واوات فعبرت له بخير فسأل ابن سيرين فقال : تهيأ لما لا يسر فقال له : من أين أخذت هذا؟ فقال : من قوله عزوجل : (وَالطُّورِ) إلى (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ) فما مضى يومان أو ثلاثة حتى أحيط بذلك الشخص ، وقوله سبحانه : (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) منصوب على الظرفية (١) وناصبه (واقع) أو (دافِعٍ) أو معنى النفي وإبهام أنه لا ينتفي دفعه غير ذلك اليوم بناء على اعتبار المفهوم لا ضير فيه لعدم مخالفته للواقع لأنه تعالى أمهلهم في الدنيا وما أهملهم ، ومنع مكي أن يعمل فيه ـ واقع ـ ولم يذكر دليل المنع ولا دليل له فيما يظهر ، ومعنى (تَمُورُ) تضطرب كما قال ابن عباس أي ترتج وهي في مكانها ، وفي رواية عنه تشقق ، وقال مجاهد : تدور ، وأصل المور التردد في المجيء والذهاب ، وقيل : التحرك في تموج ، وقيل : الجريان السريع ، ويقال للجري مطلقا وأنشدوا للأعشى :
كأن مشيتها من بيت جارتها |
|
مور السحابة لا ريث ولا عجل |
(وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) عن وجه الأرض فتكون هباء منبثّا ، والإتيان بالمصدرين الإيذان بغرابتهما وخروجهما عن الحدود المعهودة أي مورا عجيبا وسيرا بديعا لا يدرك كنههما (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ) أي إذا وقع ذلك (٢) أو إذا كان الأمر كما ذكر فويل يوم إذ يقع ذلك (لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ) أي في اندفاع عجيب في الأباطيل والأكاذيب يلهون ، وأصل الخوض المشي في الماء ثم تجوز فيه عن الشروع في كل شيء وغلب في الخوض في الباطل كالإحضار عام في كل شيء ثم غلب استعماله في الإحضار للعذاب.
(يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) أي يدفعون دفعا عنيفا شديدا بأن تغل أيديهم إلى أعناقهم وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم فيدفعون إلى النار ويطرحون فيها ، وقرأ زيد بن علي والسليمي وأبو رجاء «يدعّون» بسكون الدال وفتح العين من الدعاء فيكون (دَعًّا) حالا أي ينادون إليها مدعوعين (٣) و (يَوْمَ) إما بدل من يوم (تَمُورُ) أو ظرف لقول مقدر محكي به قوله تعالى : (هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) أي فيقال لهم ذلك (يَوْمَ) إلخ ،
__________________
(١) لأنه مفعول فيه.
(٢) يشير إلى أن الفاء فصيحة في جواب شرط مقدر. ا ه.
(٣) الحال مقدرة لأن الدفع بعد الدعوة ، وقيل : إنها مقارنة بإجراء قرب الوقوع مجرى المقارنة ؛ وفيه نظر.