وعن ابن عمر وابن شريح إنه كنية الكذب ، واشتهر أنه مطية الكذب ، ولما فيه من معنى العلم يتعدى إلى مفعولين ، وقد قام مقامهما هنا (أَنْ) المخففة وما في حيزها ، والمراد بالموصول على ما في الكشاف أهل مكة فهو على ما سمعت في الخطاب من إقامة الظاهر مقام المضمر ، ويؤيده ظاهرا قوله تعالى : (قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَ) قال في الكشف : ويحتمل التعميم فيتناولهم وأضرابهم لتقدم كفار مكة في الذكر وغيرهم ممن حملوا على الاعتبار بحالهم ، وهذا أبلغ أي زعموا أن الشأن لن يبعثوا بعد موتهم (قُلْ) ردا عليهم وإظهارا لبطلان زعمهم بإثبات ما نفوه بلى تبعثون ، وأكد ذلك بالجملة القسمية فهي داخلة في حيز الأمر ، وكذا قوله تعالى : (ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ) أي لتحاسبن وتجزون بأعمالكم ، وزيد ذلك لبيان تحقق أمر آخر متفرع على البعث منوط به ففيه أيضا تأكيد له (وَذلِكَ) أي ما ذكر من البعث والجزاء (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) لتحقق القدرة التامة وقبول المادة ؛ والفاء في قوله تعالى : (فَآمِنُوا) مفصحة بشرط قد حذف ثقة بغاية ظهوره أي إذا كان الأمر كذلك (فَآمِنُوا بِاللهِ) الذي سمعتم ما سمعتم من شئونه عزوجل (وَرَسُولِهِ) محمد صلّى الله تعالى عليه وسلم (وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا) وهو القرآن ، فإنه بإعجازه بين بنفسه مبين لغيره كما أن النور كذلك ، والالتفات إلى نون العظمة لإبراز العناية بأمر الإنزال ، وفي ذلك من تعظيم شأن القرآن ما فيه (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من الامتثال بالأمر وتركه (خَبِيرٌ) عالم بباطنه.
والمراد كمال علمه تعالى بذلك ، وقيل : عالم بأخباره (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ) ظرف (لَتُنَبَّؤُنَ) وقوله تعالى: (وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) وقوله سبحانه : (فَآمِنُوا) إلى (خَبِيرٌ) من الاعتراض ، فالأول يحقق القدرة على البعث ، والثاني يؤكد ما سيق له الكلام من الحث على الإيمان به وبما تضمنه من الكتاب وبمن جاء به ، وبالحقيقة هو نتيجة قوله تعالى : (لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَ) قدم على معموله للاهتمام فجرى مجرى الاعتراض ، وقوله سبحانه : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) اعتراض في اعتراض لأنه من تتمة الحث على الإيمان كما تقول : اعمل إني غير غافر عنك ، وقال الحوفي : ظرف ـ لخبير ـ وهو عند غير واحد من الأجلة بمعنى مجازيكم فيتضمن الوعد والوعيد.
وجعله الزمخشري بمعنى معاقبكم ، ثم جوز هذا الوجه ، وتعقب بأنه يرد عليه أنه ليس لمجرد الوعيد بل للحث كيف لا والوعيد قد تم بقوله تعالى : (لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ) فلم يحسن جعله بمعنى معاقبكم فتدبر ، وجوز كونه منصوبا بإضمار اذكر مقدرا ، وتعقب بأنه وإن كان حسنا إلا أنه حذف لا قرينة ظاهرة عليه ، وجوز كونه ظرفا لمحذوف بقرينة السياق أي يكون من الأحوال والأهوال ما لا يحيط به نطاق المقال يوم يجمعكم ، وتعقب بأن فيه ارتكاب حذف لا يحتاج إليه ، فالأرجح الوجه الأول ، وقرئ «يجمعكم» بسكون العين ، وقد يسكن الفعل المضارع المرفوع مع ضمير جمع المخاطبين المنصوب ، وروى إشمامها الضم ، وقرأ سلام ويعقوب وزيد بن علي والشعبي «نجمعكم» بالنون (لِيَوْمِ الْجَمْعِ) ليوم يجمع فيه الأولون والآخرون ، وقيل : الملائكة عليهمالسلام والثقلان ، وقيل : غير ذلك ، والأول أظهر ، واللام قيل : للتعليل ، وفي الكلام مضاف مقدر أي لأجل ما في يوم الجمع من الحساب ، وقيل : بمعنى في فلا تقدير (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس ومجاهد وقتادة أنهم قالوا : يوم غبن فيه أهل الجنة وأهل النار فالتفاعل فيه ليس على ظاهره كما في التواضع والتحامل لوقوعه من جانب واحد ، واختير للمبالغة ، وإلى هذا ذهب الواحدي.
وقال غير واحد : أي يوم غبن فيه بعض الناس بعضا بنزول السعداء منازل الأشقياء لو كانوا سعداء وبالعكس ، ففي الصحيح «ما من عبد يدخل الجنة إلا أرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا ، وما من عبد يدخل النار إلا أرى مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة» وهو مستعار من تغابن القوم في التجارة ، وفيه تهكم بالأشقياء لأنهم لا يغبنون