عنه أنه قال : إن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم رأى ربه عزوجل مرتين مرة ببصره ومرة بفؤاده ؛ ونقل القاضي عياض عن بعض مشايخه أنه توقف أي في الرؤية بالعين ، وقال : إنه ليس عليه دليل واضح قال في الكشف : لأن الروايات مصرحة بالرؤية أما أنها بالعين فلا ، وعن الإمام أحمد أنه كان يقول : إذا سئل عن الرؤية رآه رآه حتى ينقطع نفسه ولا يزيد على ذلك وكأنه لم يثبت عنده ما ذكرناه ، واختلف فيما يقتضيه ظاهر النظم الجليل فجزم صاحب الكشف بأنه ما عليه الأكثرون من أن الدنو والتدلي مقسم ما بين النبي وجبريل صلاة الله تعالى وسلامه عليهما أي وأن المرئي هو جبريل عليهالسلام ، وإذا صح خبر جوابه عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله تعالى عنها لم يكن لأحد محيص عن القول به ، وقال العلامة الطيبي : الذي يقتضيه النظم إجراء الكلام إلى قوله تعالى : (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) على أمر الوحي وتلقيه من الملك ورفع شبه الخصوم ، ومن قوله سبحانه : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) إلى قوله سبحانه : (مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) على أمر العروج إلى الجناب الأقدس ، ثم قال : ولا يخفى على كل ذي لب إباء مقام (فَأَوْحى) الحمل على أن جبريل أوحى إلى عبد الله (ما أَوْحى) إذ لا يذوق منه أرباب القلوب إلا معنى المناغاة بين المتسارين وما يضيق عنه بساط الوهم ولا يطيقه نطاق الفهم ، وكلمة (ثُمَ) على هذا للتراخي الرتبي والفرق بين الوحيين أن أحدهما وحي بواسطة وتعليم ، والآخر بغير واسطة بجهة التكريم فيحصل عنه عنده الترقي من مقام (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات : ١٦٤] إلى مخدع (قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) وعن جعفر الصادق عليه الرضا أنه قال : لما قرب الحبيب غاية القرب نالته غاية الهيبة فلاطفه الحق سبحانه بغاية اللطف لأنه لا تتحمل غاية الهيبة إلا بغاية اللطف ، وذلك قوله تعالى : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) أي كان ما كان وجرى ما جرى قال الحبيب للحبيب ما يقول الحبيب لحبيبه وألطف به إلطاف الحبيب بحبيبه وأسر إليه ما يسر الحبيب إلى حبيبه فأخفيا ولم يطلعا على سرهما أحدا وإلى نحو هذا يشير ابن الفارض بقوله :
ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا |
|
سرّ أرق من النسيم إذا سرى |
ومعظم الصوفية على هذا فيقولون بدنو الله عزوجل من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ودنوه منه سبحانه على الوجه اللائق وكذا يقولون بالرؤية كذلك ، وقال بعضهم في قوله تعالى : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) : ما زاغ بصر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وما التفت إلى الجنة ومزخرفاتها ولا إلى الجحيم وزفراتها بل كان شاخصا إلى الحق (وَما طَغى) عن الصراط المستقيم ، وقال أبو حفص السهروردي : ما زاغ البصر حيث لم يختلف عن البصيرة ولم يتقاصر (وَما طَغى) لم يسبق البصر البصيرة ويتعدى مقامه ، وقال سهل بن عبد الله التستري : لم يرجع رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى شاهد نفسه وإلى مشاهدتها وإنما كان مشاهدا لربه تعالى يشاهد ما يظهر عليه من الصفات التي أوجبت الثبوت في ذلك المحل ، وأرجع بعضهم الضمير في قوله تعالى : (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو منتهى وصول اللطائف ، وفسر (سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) بما يكون منتهى سير السالكين إليه ولا يمكن لهم مجاوزته إلا بجذبة من جذبات الحق ، وقالوا في (قابَ قَوْسَيْنِ) ما قالوا وأنا أقول برؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم ربه سبحانه وبدنوه منه سبحانه على الوجه اللائق ذهب فيما اقتضاه ظاهر النظم الجليل إلى ما قاله صاحب الكشف أم ذهبت فيه إلى ما قاله الطيبي فتأمل والله تعالى الموفق.
(أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) هي أصنام كانت لهم فاللات كما قال قتادة : لثقيف بالطائف ، وأنشدوا :
وفرت ثقيف إلى لاتها |
|
بمنقلب الخائب الخاسر |