والوليد بن المغيرة ، والمراد من الأمر المذكور النهي عن المبالغة في الحرص على هداهم كأنه قيل : لا تبالغ في الحرص على هدى من تولى عن ذكرنا وانهمك في الدنيا بحيث كانت منتهى همته وقصارى سعيه ، وقوله تعالى : (ذلِكَ) أي أمر الحياة الدنيا المفهوم من الكلام ولذا ذكر اسم الإشارة ، وقيل : أي ما أداهم إلى ما هم فيه من التولي وقصر الإرادة على الحياة الدنيا ، وقيل : ذلك إشارة إلى الظن الذي يتبعونه ، وقيل : إلى جعلهم الملائكة بنات الله سبحانه وكلا القولين كما ترى (مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) أي منتهى علمهم لا علم لهم فوقه اعتراض مقرر لمضمون ما قبلها من قصر الإرادة على الحياة الدنيا.
والمراد بالعلم مطلق الإدراك المنتظم للظن الفاسد ، وضمير (مَبْلَغُهُمْ) ـ لمن ـ وجمع باعتبار معناه كما أن إفراده قبل باعتبار لفظه ، وقوله سبحانه : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى) تعليل للأمر بالإعراض ، وتكرير قوله تعالى : (هُوَ أَعْلَمُ) لزيادة التقرير والإيذان بكمال تباين المعلومين ، والمراد (بِمَنْ ضَلَ) من أصر على الضلال ولم يرجع إلى الهدى أصلا ، و (بِمَنِ اهْتَدى) من شأنه الاهتداء في الجملة ، أي هو جل شأنه المبالغ في العلم بمن لا يرعوي عن الضلال أبدا ، وبمن يقبل الاهتداء في الجملة لا غيره سبحانه فلا تتعب نفسك في دعوتهم ولا تبالغ في الحرص عليها فإنهم من القبيل الأول : وقوله تعالى : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي له ذلك على الوجه الأتم أي خلقا وملكا لا لغيره عزوجل أصلا لا استقلالا ولا اشتراكا ، ويشعر بفعل يتعلق به قوله تعالى : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا) أي خلق ما فيهما ليجزي الضالين بعقاب ما عملوا من الضلال الذي عبر عنه بالإساءة بيانا لحاله ؛ أو بمثل ما عملوا ، أو بسبب ما عملوا على أن الباء صلة الجزاء بتقدير مضاف أو للسببية بلا تقدير (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا) أي اهتدوا (بِالْحُسْنَى) أي بالمثوبة الحسنى التي هي الجنة ، أو بأحسن من أعمالهم أو بسبب الأعمال الحسنى تكميل لما قبل لأنه سبحانه لما أمره عليه الصلاة والسلام بالإعراض نفي توهم أن ذلك لأنهم يتركون سدى ، وفي العدول عن ضمير ربك إلى الاسم الجامع ما ينبئ عن زيادة القدرة وأن الكلام مسوق لوعيد المعرضين وأن تسوية هذا الملك العظيم لهذه الحكمة فلا بدّ من ضال ومهتد ، ومن أن يلقى كلّ ما يستحقه ، وفيه أنه صلى الله تعالى عليه وسلم يلقى الحسنى جزاء لتبليغه وهم يلقون السوء أي جزاء لتكذيبهم ، وكرر فعل الجزاء لإبراز كمال الاعتناء به والتنبيه على تباين الجزاءين.
وجوز أن يكون معنى (فَأَعْرِضْ) إلخ لا تقابلهم بصنيعهم وكلهم إلى ربك إنه أعلم بك وبهم فيجزي كلا ما يستحقه ، ولا يخفى ما في العدول عن الضميرين في «بمن ضل» «وبمن اهتدى» وجعل قوله تعالى : (لِيَجْزِيَ) على هذا متعلقا بما يدل عليه قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ) إلخ أي ميز الضال عن المهتدي وحفظ أحوالهم (لِيَجْزِيَ) إلخ ، وقوله سبحانه : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ) جملة معترضة تؤكد حدث أنهم يجزون البتة ولا يهملون كأنه قيل : هو سبحانه أعلم بهم وهم تحت ملكه وقدرته ، وجوز على ذلك المعنى أن يتعلق (لِيَجْزِيَ) بقوله تعالى : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ) كما تقدم على تأكيد أمر الوعيد ، أي ـ هو أعلم بهم ـ وإنما سوي هذا الملك للجزاء ، ورجح بعضهم ذلك المعنى بالوجهين المذكورين على ما مرّ ، وجوز في جملة (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ) كونها حالا من فاعل أعلم سواء كان بمعنى عالم أو لا ، وفي (لِيَجْزِيَ) تعلقه ـ بضل. واهتدى ـ على أن اللام للعاقبة أي هو تعالى (أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَ) ليئول أمره إلى أن يجزيه الله تعالى بعمله ، و (بِمَنِ اهْتَدى) ليئول أمره إلى أن يجزيه بالحسنى ، ولا يخفى بعده ، وأبعد منه بمراحل تعلقه بقوله سبحانه : (لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ) كما ذكره مكي ، وقرأ زيد ابن علي ـ لنجزي ـ ونجزي بالنون فيهما (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) بدل من الموصول الثاني وصيغة الاستقبال