عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة وأن هشاما ابنه نحو حصته خمسين وأن عمرا سأل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن ذلك فقال : «وأما أبوك فلو كان أقرّ بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك» وأجيب بهذا عما قيل : إن تضعيف الثواب الوارد في الآيات ينافي أيضا القصر على سعيه وحده ، وأنت تعلم ما في الجواب من النظر ، وقال بعض أجلة المحققين إنه ورد في الكتاب والسنة ما هو قطعي في حصول الانتفاع بعمل الغير وهو ينافي ظاهر الآية فتقيد بما لا يهبه العامل ، وسأل والي خراسان عبد الله بن طاهر الحسين بن الفضل عن هذه الآية مع قوله تعالى : (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٦١] فقال : ليس له بالعدل إلا ما سعى وله بالفضل ما شاء الله تعالى فقبل عبد الله رأس الحسين ؛ وقال عكرمة : كان هذا الحكم في قوم إبراهيم وموسى عليهماالسلام ، وأما هذه الأمة فللإنسان منها سعي غيره يدل عليه حديث سعد بن عبادة «هل لأمي إذا تطوعت عنها؟ قال صلى الله تعالى عليه وسلم : نعم» وقال الربيع: الإنسان هنا الكافر ، وأما المؤمن فله ما سعى وما سعى له غيره ، وعن ابن عباس أن الآية منسوخة بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) [الطور : ٢١] وقد أخرج عنه ما يشعر به أبو داود والنحاس كلاهما في الناسخ ، وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه ، وتعقب أبو حيان رواية النسخ بأنها لا تصح لأن الآية خبر لم تتضمن تكليفا ولا نسخ في الأخبار. وما يتوهم جوابا من أنه تعالى أخبر في شريعة موسى وإبراهيم عليهماالسلام أن لا يجعل الثواب لغير العامل ثم جعله لمن بعدهم من أهل شريعتنا مرجعه إلى تقييد الأخبار لا إلى النسخ إذ حقيقته أن يراد المعنى ، ثم من بعد ذلك ترتفع إرادته ، وهذا تخصيص الإرادة بالنسبة إلى أهل الشرائع فافهمه ، وقيل : اللام بمعنى على أي ليس على الإنسان غير سعيه ، وهو بعيد من ظاهرها ومن سياق الآية أيضا فإنها وعظ للذي تولى وأعطى قليلا وأكدا ، والذي أميل إليه كلام الحسين ، ونحوه كلام ابن عطية قال : والتحرير عندي في هذا الآية أن ملاك المعنى هو اللام من قوله سبحانه : (لِلْإِنْسانِ) فإذا حققت الشيء الذي حق الإنسان أن يقول فيه لي كذا لم تجده إلا سعيه وما يكون من رحمة بشفاعة ، أو رعاية أب صالح ، أو ابن صالح ، أو تضعيف حسنات ، أو نحو ذلك فليس هو للإنسان ولا يسعه أن يقول لي كذا وكذا إلا على تجوّز ، وإلحاق بما هو حقيقة انتهى.
ويعلم من مجموع ما تقدم أن استدلال المعتزلة بالآية على أن العبد إذا جعل ثواب عمله أي عمل كان لغيره لا ينجعل ويلغو جعله غير تام ؛ وكذا استدلال الإمام الشافعي بها على أن ثواب القراءة لا تلحق الأموات ـ وهو مذهب الإمام مالك ـ بل قال الامام ابن الهمام : إن مالكا والشافعي لا يقولان بوصول العبادات البدنية المحضة كالصلاة والتلاوة بل غيرها كالصدقة والحج ، وفي الإذكار للنووي عليه الرحمة المشهور من مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه وجماعة أنها لا تصل ، وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء ومن أصحاب الشافعي إلى أنه تصل ، فالاختيار أن يقول القارئ بعد فراغه اللهم أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان ، والظاهر أنه إذا قال ذلك ونحوه كوهبت ثواب ما قرأته لفلان بقلبه كفى ، وعن بعضهم اشتراط نية النيابة أول القراءة وفي القلب منه شيء ، ثم الظاهر أن ذلك إذا لم تكن القراءة بأجرة أما إذا كانت بها كما يفعله أكثر الناس اليوم فإنهم يعطون حفظة القرآن أجرة ليقرءوا لموتاهم فيقرءون لتلك الأجرة فلا يصل ثوابها إذ لا ثواب لها ليصل لحرمة أخذ الاجرة على قراءة القرآن وإن لم يحرم على تعليمه كما حققه خاتمة الفقهاء المحققين الشيخ محمد الأمين بن عابدين الدمشقي رحمهالله تعالى ، وفي الهداية من كتاب الحج عن الغير إطلاق صحة جعل الإنسان عمله لغيره ولو صلاة وصوما عند أهل السنة والجماعة ، وفيه ما علمت ما مرّ آنفا.