وقد جبر الدين الإله فجبر
وفي ذكره عليهالسلام بعنوان العبودية مع الإضافة إلى نون العظمة تفخيم له عليهالسلام ورفع لمحله وتشنيع لمكذبيه.
(وَقالُوا مَجْنُونٌ) أي لم يقتصروا على مجرد التكذيب بل نسبوه إلى الجنون فقالوا هو مجنون (وَازْدُجِرَ) عطف على ـ قالوا ـ وهو إخبار منه عزوجل أي وزجر عن التبليغ بأنواع الأذية والتخويف قاله ابن زيد ، وقرأ (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) [الشعراء : ١١٦] وقال مجاهد : هو من تمام قولهم أي هو مجنون ، وقد ازدجرته الجن وذهبت بلبّه وتخبطته ، والأول أظهر وأبلغ ، وجعل مبنيا للمفعول لغرض الفاصلة ، وطهر الألسنة عن ذكرهم دلالة على أن فعلهم أسوأ من قولهم (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي) أي بأني.
وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى والأعمش وزيد بن علي ـ ورويت عن عاصم ـ «إني» بكسر الهمزة على إضمار القول عند البصريين ، وعلى إجراء الدعاء مجرى القول عند الكوفيين (مَغْلُوبٌ) من جهة قومي ما لي قدرة على الانتقام منهم (فَانْتَصِرْ) فانتقم لي منهم ، وقيل : فانتصر لنفسك إذ كذبوا رسولك ، وقيل : المراد ـ بمغلوب ـ غلبتني نفسي حتى دعوت عليهم بالهلاك وهو خلاف الظاهر وما دعا عليهالسلام عليهم إلا بعد اليأس من إيمانهم ، والتأكيد لمزيد الاعتناء بأمر الترحم المقصود من الأخبار.
(فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) أي منصب ، وقيل : كثير قال الشاعر :
أعيناي جودا بالدموع الهوامر |
|
على خير باد من معد وحاضر |
والباء للآلة مثلها في فتحت الباب بالمفتاح ، وجوز أن تكون للملابسة والأول أبلغ ، وفي الكلام استعارة تمثيلية بتشبيه تدفق المطر من السحاب بانصباب أنهار انفتحت بها أبواب السماء وانشق أديم الخضراء ، وهو الذي ذهب إليه الجمهور ، وذهب قوم إلى أنه على حقيقته وهو ظاهر كلام ابن عباس.
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أنه قال : لم تمطر السماء قبل ذلك اليوم ولا بعده إلا من السحاب ، وفتحت أبواب السماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم فالتقى الماءان ، وفي رواية لم تقلع أربعين يوما ، وعن النقاش أنه أريد بالأبواب المجرة وهي شرج السماء كشرج العيبة! والمعروف من الأرصاد أن المجرة كواكب صغار متقاربة جدا ، والله تعالى أعلم.
ومن العجيب أنهم كانوا يطلبون المطر سنين فأهلكهم الله تعالى بمطلوبهم ، وقرأ ابن عامر وأبو جعفر والأعرج ويعقوب «ففتحنا» بالتشديد لكثرة الأبواب ، والظاهر أن جمع القلة هنا للكثرة (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون متفجرة وأصله فجرنا عيون الأرض فغير إلى التمييز للمبالغة بجعل الأرض كلها متفجرة مع الإبهام والتفسير ، فالتمييز محول عن المفعول ، وجعله بعضهم محولا عن الفاعل بناء على أنه الأكثر ، الأصل انفجرت عيون الأرض وتحويله كما يكون عن فاعل الفعل المذكور يكون عن فاعل فعل آخر يلاقيه في الاشتقاق ـ وهذا منه ـ وهو تكلف لا حاجة إليه ، ومنع بعضهم مجيء التمييز من المفعول فأعرب (عُيُوناً) حالا مقدرة ، وجوز عليه أن يكون مفعولا ثانيا لفجرنا على تضمينه ما يتعدى إليه أي صيرنا بالتفجير الأرض عيونا وكان ذلك على ما في بعض الروايات أربعين يوما ، وقرأ عبد الله وأصحابه وأبو حيوة والمفضل عن عاصم «فجرنا» بالتخفيف (فَالْتَقَى الْماءُ) أي ماء السماء وماء الأرض ، والإفراد لتحقيق أن التقاء الماءين لم يكن بطريق المجاورة بل بطريق الاختلاط والاتحاد ، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه والحسن ومحمد بن كعب والجحدري ـ الماءان ـ والتثنية لقصد بيان اختلاف النوعين وإلا