واستتاره في الفعل بعد انقلابه مرفوعا أي لمن كفر به وهو نوح عليهالسلام أيضا أي جحدت نبوته ، فالكفر عليه ضد الإيمان ، وعلى الأول كفران النعمة ، وعن ابن عباس ومجاهد من يراد به الله تعالى كأنه قيل : غضبا وانتصارا لله عزوجل وهو كما ترى ، وقرأ مسلمة بن محارب ـ كفر ـ بإسكان الفاء خفف فعل كما في قوله :
لو عصر منه البان والمسك انعصر
وقرأ يزيد بن رومان وقتادة وعيسى «كفر» مبنيا للفاعل فمن يراد بها قوم نوح عليهالسلام لا غير ، وفي هذه القراءة دليل على وقوع الماضي بغير قد خبرا لكان وهو مذهب البصريين وغيرهم يقول لا بد من وقوع قد ظاهرة أو مقدرة ، وجوز أن تكون (كانَ) زائدة كأنه قيل : جزاء لمن (كُفِرَ) ولم يؤمن (وَلَقَدْ تَرَكْناها) أي أبقينا السفينة (آيَةً) بناء على ما روي عن قتادة والنقاش أنه بقي خشبها على الجودي حتى رآه بعض أوائل هذه الأمة ، أو أبقينا خبرها ، أو أبقينا جنسها وذلك بإبقاء السفن ، أو ـ تركنا ـ بمعنى جعلنا ، وجوز كون الضمير للفعلة وهي إنجاء نوح عليهالسلام ومن معه وإغراق الكافرين (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أي معتبر بتلك الآية الحرّية بالاعتبار ، وقرأ قتادة على ما نقل ابن عطية ـ مذكر ـ بالذال المعجمة على قلب تاء الافتعال ذالا وإدغام الذال في الذال ، وقال صاحب اللوامح : قرأ قتادة فهل من ـ مذكر ـ بتشديد الكاف من التذكير أي من يذكر نفسه أو غيره بها ، وقرئ مذتكر بذال معجمة بعدها تاء الافتعال كما هو الأصل (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) استفهام تعظيم وتعجيب أي كانا على كيفية هائلة لا يحيط بها الوصف ، و ـ النذر ـ مصدر كالإنذار ، وقيل : جمع نذير بمعنى الإنذار ، وجعله بعضهم بمعنى المنذر منه ، وليس بشيء ، وكذا جعله بمعنى المنذر ، وكان يحتمل أن تكون ناقصة فكيف في موضع الخبر؟ وتامة فكيف في موضع الحال؟ (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ) إلخ جملة قسمية وردت في آخر القصص الأربع تقريرا لمضمون ما سبق من قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ) إلخ وتنبيها على أن كل قصة منها مستقلة بإيجاب الادكار كافية في الازدجار ، ومع ذلك لم يحصل فيها اعتبار ، أي وبالله لقد سهلنا القرآن لقومك بأن أنزلناه على لغتهم وشحنّاه بأنواع المواعظ والعبر وصرفنا فيه من الوعيد والوعد (لِلذِّكْرِ) أي للتذكر والاتعاظ (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) إنكار ونفي للمتعظ على أبلغ وجه وآكده يدل على أنه لا يقدر أحد أن يجيب المستفهم بنعم ، وقيل : المعنى سهلنا القرآن للحفظ لما اشتمل عليه من حسن النظم وسلاسة اللفظ وشرف المعاني وصحتها وعروّه عن الوحشي ونحوه فله تعلق بالقلوب وحلاوة في السمع فهل من طالب لحفظه ليعان عليه؟ ومن هنا قال ابن جبير : لم يستظهر شيء من الكتب الإلهية غير القرآن ، وأخرج ابن المنذر ، وجماعة عن مجاهد أنه قال : يسرنا القرآن. هونّا قراءته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس : لو لا أن الله تعالى يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله تعالى.
وأخرج الديلمي عن أنس مرفوعا مثله. وأخرج ابن المنذر عن ابن سيرين أنه مرّ برجل يقول سورة خفيفة فقال : لا تقل ذلك ولكن قل سورة يسيرة لأن الله تعالى يقول : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) والمعنى الذي ذكر أولا أنسب بالمقام ، ولعل خبر أنس إن صح ليس تفسيرا للآية ، وجوز تفسير (يَسَّرْنَا) بهيأنا من قولهم : يسر ناقته للسفر إذا رحلها ، ويسر فرسه للغزو إذا أسرجه وألجمه قال الشاعر :
وقمت إليه باللجام ميسرا |
|
هنالك يجزيني الذي كنت أصنع |
(كَذَّبَتْ عادٌ) شروع في قصة أخرى ولم تعطف وكذا ما بعدها من القصص إشارة إلى أن كل قصة مستقلة في القصد والاتعاظ ولما لم يكن لقوم نوح اسم علم ذكروا بعنوان الإضافة ولما كان لقوم هود علم وهو (عادٌ)