وورد في الفردوس من حديث ابن مسعود ـ خلق الله تعالى الأمراض يوم الثلاثاء ، وفيه أنزل إبليس إلى الأرض ، وفيه خلق جهنم ، وفيه سلط الله تعالى ملك الموت على أرواح بني آدم. وفيه قتل قابيل هابيل ، وفيه توفي موسى وهارون عليهمالسلام ، وفيه ابتلي أيوب – الحديث ، وهو إن صح لا يدل على نحوسته غايته أنه وقع فيه ما وقع وقد وقع فيه غير ذلك مما هو خير ، ففي رواية مسلم ـ خلق المنفق أي ما يقوم به المعاش يوم الثلاثاء ـ وإذا تتبعت التواريخ وقعت على حوادث عظيمة في سائر الأيام ، ويكفي في هذا الباب أن حادثة عاد استوعبت أيام الأسبوع فقد قال سبحانه : (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) [الحاقة : ٧] فإن كانت النحوسة لذلك فقل لي أي يوم من الأسبوع خلا منها؟! ومثل أمر النحوسة فيما أرى أمر تخصيص كل يوم بعمل كما يزعمه كثير من الناس ، ويذكرون في ذلك أبياتا نسبها الحافظ الدمياطي لعليّ كرم الله تعالى وجهه وهي :
فنعم اليوم يوم السبت حقا |
|
لصيد إن أردت بلا امتراء |
وفي الأحد البناء لأن فيه |
|
تبدى الله في خلق السماء |
وفي الاثنين إن سافرت فيه |
|
سترجع بالنجاح وبالثراء |
ومن يرد الحجامة فالثلاثا |
|
ففي ساعاته هرق الدماء |
وإن شرب امرؤ يوما دواء |
|
فنعم اليوم يوم الأربعاء |
وفي يوم الخميس قضاء حاج |
|
فإن الله يأذن بالقضاء |
وفي الجمعات تزويج وعرس |
|
ولذات الرجال مع النساء |
وهذا العلم لا يدريه إلا |
|
نبيّ أو وصيّ الأنبياء |
ولا أظنها تصح ، وقصارى ما أقول : ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا دخل في ذلك لوقت ولا لغيره ، لبعض الأوقات شرف لا ينكر كيوم الجمعة وشهر رمضان وغير ذلك ، ولبعضها عكس ذلك كالأوقات التي تكره فيها الصلاة لكن هذا أمر ومحل النزاع أمر فاحفظ ذلك ، والله تعالى يتولى هداك ، وقوله تعالى : (تَنْزِعُ النَّاسَ) يجوز أن يكون صفة الريح وأن يكون حالا منها لأنها وصفت فقربت من المعرفة ، وجوز أن يكون مستأنفا ، وجيء ـ بالناس ـ دون ضمير عاد قيل : ليشمل ذكورهم وإناثهم ـ والنزاع ـ القلع ، روي أنهم دخلوا الشعاب والحفر وتمسك بعضهم ببعض فقلعتهم الريح وصرعتهم موتى.
(كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) أي منقلع عن مغارسه ساقط على الأرض ، وقيل : شبهوا بأعجاز النخل وهي أصولها بلا فروع لأن الريح كانت تقلع رءوسهم فتبقى أجسادا وجثثا بلا رءوس ، ويزيد هذا التشبيه حسنا أنهم كانوا ذوي جثث عظام طوال ، والنخل اسم جنس يذكر نظرا للفظ كما هنا ويؤنث نظرا للمعنى كما في قوله تعالى : (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) [الحاقة : ٧] واعتبار كل في كل من الموضعين للفاصلة ، والجملة التشبيهية حال من الناس وهي حال مقدرة ، وقال الطبري : في الكلام حذف والتقدير فتركتهم كأنهم إلخ ، فالكاف على ما في البحر في موضع نصب بالمحذوف وليس بذاك ، وقرأ أبو نهيك أعجز على وزن أفعل نحو ضبع وأضبع ، وقوله تعالى : (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) تهويل لهما وتعجيب من أمرهما بعد بيانهما فليس فيه شائبة تكرار مع ما تقدم ، وقيل : إن الأول لما حاق بهم في الدنيا والثاني لما يحيق بهم في الآخرة ، و (كانَ) للمشاكلة ، أو للدلالة على تحققه على عادته سبحانه في إخباره ، وتعقب بأنه يأباه ترتيب الثاني على العذاب الدنيوي.
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧) كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا