وحكى الكسائي عن مجاهد ضم الشين دون الهمزة فهو كندس ، وقرأ أبو حيوة «الأشر» أفعل تفضيل أي الأبلغ في الشرارة وكذا قرأ قتادة وأبو قلابة أيضا وهو قليل الاستعمال وإن كان على الأصل كالأخير في قول رؤبة :
بلال خير الناس وابن الأخير
وقال أبو حاتم : لا تكاد العرب تتكلم ـ بالأخير ـ و (الْأَشِرُ) إلا في ضرورة الشعر وأنشد البيت ، وقال الجوهري : لا يقال (الْأَشِرُ) إلا في لغة رديئة ؛ وقوله تعالى : (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ) إلخ استئناف مسوق لبيان مبادئ الموعود على ما هو الظاهر ، وبه يتعين كون المراد بالغد وقت نزول العذاب الدنيوي بهم دون يوم القيامة ، والإرسال حقيقة في البعث وقد جعل هنا كناية عن الإخراج ، وأريد المعنى الحقيقي معه كما أومأ إليه بعض الأجلة أي إنا مخرجو الناقة التي سألوها من الهضبة وباعثوها (فِتْنَةً لَهُمْ) امتحانا ، وجوز إبقاؤها على معناها المعروف (فَارْتَقِبْهُمْ) فانتظرهم وتبصر ما هم فاعلون (وَاصْطَبِرْ) على أذاهم ولا تعجل حتى يأتي أمر الله تعالى (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ) وأخبرهم بأن ماء البئر التي لهم (قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) مقسوم لها يوم ولهم يوم ، و (بَيْنَهُمْ) لتغليب العقلاء ، وقرأ معاذ عن أبي عمرو «قسمة» بفتح القاف (كُلُّ شِرْبٍ) نصيب وحصة منه (مُحْتَضَرٌ) يحضره صاحبه في نوبته فتحضر الناقة تارة ويحضرونه أخرى ، وقيل : يتحول عنه غير صاحبه من حضر عن كذا تحول عنه وقيل : يمنع عنه غير صاحبه مجاز عن الحظر بالظاء بمعنى المنع بعلاقة السببية فإنه مسبب عن حضور صاحبه في نوبته وهو كما ترى ، وقيل : يحضرون الماء في نوبتهم واللبن في نوبتها ، والمعنى كل شرب من الماء واللبن تحضرونه أنتم (فَنادَوْا) أي فأرسلنا الناقة وكانوا على هذه الوتيرة من القسمة فملوا ذلك وعزموا على عقر الناقة (فَنادَوْا) لعقرها (صاحِبَهُمْ) وهو قدار بن سالف أحيمر ثمود وكان أجرأهم (فَتَعاطى) العقر أي فاجترأ على تعاطيه مع عظمه غير مكترث به.
(فَعَقَرَ) فأحدث العقر بالناقة ، وجوز أن يكون المراد فتعاطى الناقة فعقرها ، أو فتعاطى السيف فقتلها ، وعلى كل فمفعول تعاطى محذوف والتفريع لا غبار عليه ، وقيل : تعاطى منزل منزلة اللازم على أن معناه أحدث ماهية التعاطي ، وقوله تعالى : (فَعَقَرَ) تفسير له لا متفرع عليه ولا يخفى ركاكته ، والتعاطي التناول مطلقا على ما يفهم من كلام غير واحد ، وزاد بعضهم قيد بتكلف ونسبة العقر إليهم في قوله تعالى : (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ) [الأعراف : ٧٧] لأنهم كانوا راضين به (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) الكلام فيه كالذي تقدم (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً) هي صيحة جبريل عليهالسلام صاح صباح يوم الأحد كما حكى المناوي عن الزمخشري في طرف منازلهم (فَكانُوا) أي فصاروا (كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) أي كالشجر اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته في الشتاء.
وفي البحر الهشيم ما تفتت وتهشم من الشجر ، و (الْمُحْتَظِرِ) الذي يعمل الحظيرة فإنه يتفتت منه حالة العمل ويتساقط أجزاء مما يعمل به ، أو يكون الهشيم ما يبس من الحظيرة بطول الزمان تطؤه البهائم فيتهشم ، وتعقب هذا بأن الأظهر عليه كهشيم الحظيرة ، والحظيرة الزريبة التي تصنعها العرب. وأهل البوادي للمواشي والسكنى من الأغصان والشجر المورق والقصب من الحظر وهو المنع.
وقرأ الحسن وأبو حيوة وأبو السمال وأبو رجاء وعمرو بن عبيد «المحتظر» بفتح الظاء على أنه اسم مكان والمراد به الحظيرة نفسها أو هو اسم مفعول قيل : ويقدر له موصوف أي (كَهَشِيمِ) الحائط (الْمُحْتَظِرِ) أو لا يقدر على أن (الْمُحْتَظِرِ) الزريبة نفسها كما سمعت. وجوز أن يكون مصدرا أي كهشيم الاحتظار أي ما تفتت حالة الاحتظار (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) كما مر (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ) على قياس النظير السابق (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً) ملكا على ما قيل ـ يحصبهم أي يرميهم بالحصباء والحجارة أو هو اسم للريح