إذا ذابت الشمس اتقى صقراتها |
|
بأفنان مربوع الصريمة معبل |
وعدم الصرف للعلمية والتأنيث ، وقرأ عبد الله إلى النار ، وقرأ محبوب عن أبي عمرو «مس سّقر» بإدغام السين في السين ، وتعقب ذلك ابن مجاهد بأن إدغامه خطأ لأنه مشدد ، والظن بأبي عمرو أنه لم يدغم حتى حذف إحدى السينين لاجتماع الأمثال ثم أدغم (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ) من الأشياء (خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) أي مقدرا مكتوبا في اللوح قبل وقوعه ، فالقدر بالمعنى المشهور الذي يقابل القضاء ، وحمل الآية على ذلك هو المأثور عن كثير من السلف ، وروى الإمام أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة قال : «جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في القدر فنزلت (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ)» وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن عدي وابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : «صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب المرجئة والقدرية» أنزلت فيهم آية في كتاب الله (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) إلى آخر الآيات ، وكان ابن عباس يكره القدرية جدا ، أخرج عبد بن حميد عن أبي يحيى الأعرج قال سمعت ابن عباس ـ وقد ذكر القدرية ـ يقول : لو أدركت بعضهم لفعلت به كذا وكذا ثم قال : الزنا بقدر والسرقة بقدر وشرب الخمر بقدر.
وأخرج عن مجاهد أنه قال : قلت لابن عباس : ما تقول فيمن يكذب بالقدر؟ قال : اجمع بيني وبينه قال : ما تصنع به؟ قال : أخنقه حتى أقتله ، وقد جاء ذمهم في أحاديث كثيرة ، منها ما أخرجه أحمد وأبو داود والطبراني عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : «لكل أمه مجوس ومجوس أمتي الذين يقولون لا قدر إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم». وجوز كون المعنى إنا كل شيء خلقناه مقدرا محكما مستوفي فيه مقتضي الحكمة التي يدور عليها أمر التكوين ، فالآية من باب (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) [الفرقان : ٢] ونصب (كُلَ) بفعل يفسره ما بعده أي إنا خلقنا كل شيء خلقناه ، وقرأ أبو السمال قال ابن عطية وقوم من أهل السنة برفع كل وهو على الابتداء ، وجملة (خَلَقْناهُ) هو الخبر ، و (بِقَدَرٍ) متعلق به كما في القراءة المتواترة ، فتدل الآية أيضا على أن كل شيء مخلوق بقدر ولا ينبغي أن تجعل جملة خلقناه صفة ، ويجعل الخبر (بِقَدَرٍ) لاختلاف القراءتين معنى حينئذ ، والأصل توافق القراءات ، وقال الرضي : لا يتفاوت المعنى لأن مراده تعالى بكل شيء كل مخلوق سواء نصبت (كُلَ) أو رفعته وسواء جعلت (خَلَقْناهُ) صفة مع الرفع ، أو خبرا عنه ، وذلك إن خلقنا كل شيء بقدر لا يريد سبحانه به خلقنا كل ما يقع عليه اسم شيء لأنه تعالى لم يخلق جميع الممكنات غير المتناهية واسم الشيء يقع على كل منها ، وحينئذ نقول : إن معنى (كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) على أن خلقناه هو الخبر (كُلَ) مخلوق مخلوق (بِقَدَرٍ) وعلى أن (خَلَقْناهُ) صفة (كُلَّ شَيْءٍ) مخلوق كائن (بِقَدَرٍ) والمعنيان واحد إذ لفظ (كُلَ) في الآية مختص بالمخلوقات سواء كان (خَلَقْناهُ) صفة له أو خبرا ، وتعقبه السيد السند قدسسره بأنه لقائل أن يقول : إذ جعلنا (خَلَقْناهُ) صفة كان المعنى (كُلَ) مخلوق متصف بأنه مخلوقنا كائن بقدر ، وعلى هذا لا يمتنع نظرا إلى هذا المعنى أن يكون هناك مخلوقات غير متصفة بتلك الصفة فلا تندرج تحت الحكم ، وأما إذا جعلناه خبرا أو نصبنا (كُلَّ شَيْءٍ) فلا مجال لهذا الاحتمال نظرا إلى نفس المعنى المفهوم من الكلام فقد اختلف المعنيان قطعا ولا يجديه نفعا أن كل مخلوق متصف بتلك الصفة في الواقع لأنه إنما يفهم من خارج الكلام ولا شك أن المقصود ذلك المعنى الذي لا احتمال فيه ، وذكر نحوه الشهاب الخفاجي ولكون النصب نصا في المقصود اتفقت القراءات المتواترة عليه مع احتياجه إلى التقدير وبذلك يترجح على الرفع الموهم لخلافه وإن لم يحتج إليه.